Comments
Description
Transcript
\送料無料 ポイント10倍 / 【RODY ベビーバギー】【バギー ベビーカー
وزارة األوقـاف والـشؤون اإلسـالمية إدارة شئون القرآن الكريم مراقبة حلقات ومراكز حتفيظ القرآن الكريم (بنني) قسم اإلسناد الفين هكذا تكون قدوتنا! بحث قصير عن القدوة الحسنة وعالقتها بالتربية في اإلسالم إعداد أحمد حماد حافظ 1 الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على سيدنا محمد الصادق الوعد األمين ، اللهم ال علم لنا إال ما علمتنا ،إنك أنت العليم الحكيم ،اللهم علمنا ما ينفعنا ،وانفعنا بما علمتنا ،اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار العلم و المعرفة . فإن المتأمل في أحوال األمم اليوم التي تدعي السبق في الحضارة والصناعة واالقتصاد ،يجد أنها في جانب األخالق متردية في االنحطاط والرذيلة ومحاربة الفضيلة ،فحياتها كحياة األنعام بل أشد ؛ ألنها حرفت في المنهج السماوي ،أو ألنها اسا وقدوة في حياتها ،أما اإلسالم فقد جاء أصال ال تملك ا ا منهجا سماويًّا تتخذه نبر ا ليربي أمة ،وينشئ مجتمعا ويقيم نظاما ؛ ولذلك كانت أمة محمد صلى هللا عليه وسلم فإنها أطهر األمم وأنزهها وأشرفها وأفضلها؛ ألنها التزمت منهج المربي األول محمد صلى هللا عليه وسلم ،فأكرمها هللا بالوسطية واالعتدال في كل مناهج الشرع ،وفي كل مناحي الحياة. فمن الواجب علينا االلتزام بهذا المنهج اإللهي والتمسك به وتربية أنفسنا عليه ، والتربية تحتاج إلى زمن والى تأثير وانفعال بالكلمة ،والى حركة تترجم التأثير واالنفعال إلى واقع ،وهكذا حالها في ضوء منهج اإلسالم ؛ فكان للتربية بالقدوة الدور الكبير في إعداد الفرد الصالح الذي ِّ يؤدي إلى النجاح في تكوين المجتمع الصالح ؛ ألن الفرد نواة األسرة ،واألسرة هي نواة المجتمع. وتعتبر التربيـة بالقدوة أسلوبا إسالميا أصيالا بدأه رسول هللا وربى أصحابه على ذلك ،وحينما رأوه قـدوة فيما يأمر وينهى أحبوه وتسابقوا في تنفيذ أمره ،وعملوا بما علموه من سلوكه ،فصنعوا من أنفسهم قدوات في الخير والهدى والرشاد ،فقادوا البشرية إلى طريق األمن واإليمان و الخير واإلحسان والسعادة والسالم. ونحن اليوم في حاجة إلى القدوات التي تبرز في ميادين الحياة ،القدوة التي تدعو إلى صفاء المعتقدات اإليمانية ووضوح المنهج ،القدوة التي تدعو إلى أداء الشعائر التعبدية وتكون هي أحرص الناس على أدائها ،القدوة التي تدعو إلى مكارم األخالق والى التضحية والفداء والبذل والعطاء ،القدوة التي تترجم الكلمات إلى مواقف 2 خالدة في تاريخ األمة ؛ ولذلك تناولنا هذا الموضوع ؛ ليكون ذلك عونا في تعلم و إيجاد القدوات الصالحة في الميادين العملية المتعددة من حياة الناس . مفهوم التربية: التربية في اللغة تعني( " :)1ربا يربو بمعنى زاد ونما " ،وفي القرآن الكريم ،قال تعالى ( :فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ) ( ،)2أي نمت وازدادت ،ورباه بمعنى أنشأه ،ونمى قواه الجسدية والعقلية والخلقية ،كما في قوله تعالى" :ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين"( .)3وأيضا قوله تعالى" :وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا"( .)4إشارات إلى ذلك المعنى اللغوي للتربية ،فهي بمعناها الواسع تعني ا كل عملية تساعد على تشكيل عقل الفرد وجسمه وخلقه باستثناء ما قد يتدخل فيه من عمليات تكوينية أو وراثية ،وبمعناها الضيق تعني غرس المعلومات والمهارات المعرفية من خالل مؤسسات أنشئت لهذا الغرض تهتم بالمجال التربوي ،كذلك فإن تعريف التربية يختلف باختالف وجهات النظر ويتعدد حسب الجوانب والمجاالت المؤثرة فيها والمتأثرة بها. ولقد أقر مجمع اللغة العربية في مصر تعريف التربية" :بأنها تبليغ الشيء إلى كماله ،أو هي كما يقول المحدثون تنمية الوظائف النفسية بالتمرين حتى تبلغ كمالها شيئا فشيئا". وهي كذلك عملية تهذيب للسلوك ،وتنمية للقدرات حتى يصبح الفرد صالحا للحياة ،فهي عملية تغذية ،وتنشئة ،وتنمية جسدية وخلقية وعاطفية. 1 -لسان العرب البن منظور. 2 -سورة الحج (.)5 3 -سورة الشعراء (.)8 4 -سورة اإلسراء(.)24 3 وعندما نتكلم عن التربية بمفهومها العلمي ،فنعني بها تلك التي تعود الطفل على التفكير الصحيح والحياة الصحيحة بما تزِّوده من معارف، وتجارب ،تنفع عقله ،وتغ ِّذي وجدانه ،وتن ِّمي ميوله ومواهبه وتع ِّوده العادات الحسنة ،وتجِّنبه العادات السيئة ،فينشأ قوي الجسم ،حسن الخلق ،سليم العقل ،متزن الشخصية ،قاد اار على أداء رسالته في الحياة(.)1 أما التربية في اإلسالم فتميزت بتركيزها على الجانب العلمي و العملي في التربية ،فدعت إلى تعليم الناس وتثقيف عقولهم ،وتصفية أرواحهم ،وتقوية أجسادهم في ضوء القرآن والسنة ؛ ليكونوا أهال لتحمل مسؤوليات الدعوة اإلسالمية التي أ ِّمروا بنشرها بين الناس كافة. واعتمدت التربية على التلقين والمحاكاة في مجتمع ناشئ على تعاليم اإلسالم المعتمدة على أصلين هما :القرآن الكريم ،والسنة النبوية الشريفة، وتمثلت أصولها في مفاهيم اتفق عليها علماء األمة واستنبطوها من أصول الشريعة اإلسالمية ،ت ِّ مكن المسلمين من مسايرة التطور اإلنساني مع اختالف الزمان والمكان ،وتتكيف مع المطالب البشرية المستحدثة من خالل االجتهاد. وي ِّ عرفه ـ ــا ال ـ ــدكتور عب ـ ــدالرحمن حج ـ ــازي به ـ ــذا المفه ـ ــوم اإلس ـ ــالمي بأنه ـ ــا مجموع ــة التصـ ـرفات العملي ــة أو القولي ــة ( النابع ــة م ــن العقي ــدة ) المستض ــيئة بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة واالجتهاد على ضوئهما؛ لتحقيق الغايات التي حـددها اإلسـالم لنمـو المسـلم وسـعادته فـي الحيـاة الـدنيا وا خـرة ،أو لنمـو غيره وسعادته(.)2 من أهم وسائل التربية في اإلسالم في ضوء القرآن والسنة 1 -مدخل إلى علوم التربية لكمال عبد هللا وعبد هللا قلي. -2التربية اإلسالمية بين األصالة والحداثة للدكتور عبدالرحمن حجازي. 4 التربية بالقدوة تعريف القدوة في اللغة : القدوة و ِّ القدوة تق أر بالضم والكسر وهي تعني من يقتدي به اإلنسان ويستن بسنته ،فيقال :فالن قدوة يقتدى به ،والقدوة :المثال الذي يتشبه به غيره ، فيعمل مثل ما يعمل ،ويحذو حذوه في كل صغيرة وكبيرة . والقدوة مثل األسوة ،ويقال :تأسيت به إذا اقتديت به ،واتبعته في جميع أحوالي ,وقال تعالى ( :وِّانا على آث ِّارِّه ْم مْقتدون)( ,)1أي سائرون على منوالهم ومنهجهم وطريقتهم في هذه الحياة. ويعني االقتداء بالرجل في كالم العرب ،اتباع أثره واألخذ بهديه ،فيقال: " فالن يقدو فالن ا " إذا نحا نحوه وسار على دربه واتبع أثره ()2 . القدوة اصطالحاً : القدوة الصالحة بمفهومها العام هي مثال من الكمال النسبي المطلوب ، يثير في الوجدان اإلعجاب فتتأثر به تأث ار عميقا ،فتنجذب إليه بصورة تولد في اإلنسان القناعة التامة به ،واإلخالص الكامل له. أما بمفهومها الشرعي القدوة أو األسوة ما يتأسى به أي يتعزى به فيقتدي به في جميـع أحواله ويتخذه مثالا أعلى ونموذج ا له في كافة حركاته وأقواله ومواقفه وهللا تعالى لم يقتصر على تقديم رسوله على أنه القدوة الحسنة فحسب بل جعل هللا تعالى منهجا بين الناس وسنة لهم ،وانما حكى هللا تعالى عشرات القصص القرآنية واألخبار التاريخية لمزيد القدوة واالعتبار .قال ِّ ِّ ص ِّهم ِّع ْبرةٌ ِّألولِّي األْلب ِّ اب ﴾( ،)3وقال تعالى: ْ تعالى﴿ :لق ْد كان في قص ْ 1 سورة ُّالزخرف(.)23 -2لسان العرب . 3 -سورة يوسف (.)111 5 الرس ِّل ﴾( ،)1وال تقتصر القدوة على اصِّب ْر كما صبر أ ْولوا اْلع ْزِّم ِّمن ُّ ﴿ف ْ خصوص األنبياء واألولياء واألوصياء بل تتعداها إلى األتباع واألنصار كما قال تعالى﴿:أ ْولِّئك ال ِّذين هدى ّللا فِّبهداهم ا ْقت ِّد ْه﴾(.)2 أنواع القدوة : إذا نظر اإلنسان في كتاب هللا وسنة نبيه وفي أوضاع الناس وأحوالهم يتضح له أن القدوة تنقسم إلى نوعين : -1القدوة الحسنة :وهي التي تتخذ االقتداء برسول هللا منهجا وسلوكا وتتأسى به في تطبيقها العملي في واقع الحياة ،وهذا النوع إنما يسلكه ويوفق إليه من كان يرجو هللا واليوم وا خر ،ودخل اإليمان قلبه . -2القدوة السيئة :وهي على عكس ذلك تماما ،فهي ال تتأسى برسول هللا وال تتشرف بحمل اإلسالم ،بل إنها تعتز بانتسابها لغيره ،كقول المشركين حين دعتهم رسل هللا للتأسي بهم كما بين القرآن الكريم ذلك ،قال تعالى ِّ( :إنا وج ْدنا آباءنا على أم ٍة واِّنا على آث ِّارِّه ْم مْقتدون)( ، )3فقولهم هذا عين التقليد والمحاكاة يكون ضا ار ومفسدا وطريق ا لوصول المقلدين إلى دركات النقص والهالك التي هوت إليها أسوتهم السيئة . ولقد عرف دعاة الشر والفساد ما للقدوة الصالحة من أثر محمود بين الناس ،لذلك أخذوا يصنعون أمثلة ونماذج بشرية على طريقتهم ذات مفاهيم وعقائد باطلة وأعمال ضالة فاسدة ومفسدة وأحاطوها باألصباغ واأللوان الخداعة وسلطوا عليها األضواء اإلعالمية إلثارة اإلعجاب بها في نفوس الجماهير حتى تكون أسوتهم التي يقتدون بها . 1 -سورة األحقاف(.)35 2 -سورة األنعام (.)90 -3سورة ُّ الزخرف (.)23 6 ومن هذه األمثلة البشرية المصطنعة شخصيات ذات مذاهب هدامة وآراء باطلة ،أحاطها المفسدون بعبارات التمجيد واإلكبار ليتخذها الناس أسوة لهم يقتدون بها في آرائها وأفكارها ،وخير دليـل على ذلك ما يسمى بنجوم الفن واألناقة والغناء الماجن من رجال ونساء ،وكذلك أصحاب المذاهب الهدامة والديانات المنحرفة و المحرفة والملحدين وغيرهم ،ليكونوا أسوة للناس يقتدون بهم في تفاهاتهم وسلوكهم المنحرف حتى أصبحت هذه األمثلة الساقطة هي القدوة التي يقلدها عدد غير قليل من أبناء األمة. والقدوة الحسنة تنقسم إلى قسمين : -1القدوة المطلقة : وهي تعني االقتداء برسول هللا في سائر أعماله وتصرفاته وذلك ألنه ب ِّعث ليقتدى به ِّ وليطاع بإذن هللا فهو ال ينطق عن الهوى وانما يوحى إليه ، فهو معصوم من الخطأ وكذلك سائر األنبياء ،قال تعالى (:وما ي ْن ِّطق ع ِّن الهوى * ِّإ ْن هو ِّإال و ْحي يوحى)(.)1 ٌ واالقتداء به والسير على نهجه هو النجاة الحقيقية لإلنسان في الدنيا وا خرة ،فهو القدوة الحسنة في أقواله وأفعاله وسائر تصرفاته ؛ لكي يستلهم الناس سلوكهم من هذه القدوة ،قال تعالى (:لقد كان لكم ِّفي رس ِّ ِّ ول هللا أ ْسوةٌ ْ ْ ير)(.)2 حسن ٌة لِّم ْن كان ي ْرجو هللا والي ْوم ا ِّخر وذكر هللا كِّث اا ولقد كان رسول هللا األسوة الحسنة للناس جميعا في جميع جوانب الحياة فإذا تفكر اإلنسان في أحوال القادة والمصلحين والسياسيين فإذا برسول هللا يضرب بقيادته وصالحه أروع األمثلة في هجرته إلى المدينة واقامته للدولة والمسجد وتأليفه بين األوس والخزرج وفي سائر غزواته . 1 -سورة النجم (.)4-3 2 -سورة األحزاب(.)21 7 واذا بحث الناس في ميادين التربية وجدوا رسول هللا يتربع على عروش المربين فإذا هو المربي الكريم والقائد والمعلم الذي ربى أصحابه الكرام على الفضيلة والقيم العليا النبيلة. وكان واعظا ومرشدا أمينا يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ،وكان متحلايا بمحاسن األخالق وهي التي جعلت منه أكبر قدوة وهاديا بسلوكه الشخصي قبل للبشرية في تاريخها الطويل ،بل كان مر ابيا ا أن يكون بالكالم ،لهذا أمر هللا المؤمنين باتباع الرسول وطاعته ،وجعل هذا من مؤشرات الحب في هللا ،قال تعالى ( :ق ْل ِّإ ْن ك ْنتم ت ِّحُّبون هللا فاتِّبع ِّ وني ْ ي ْحِّب ْبكم هللا)(.)1 -2القدوة المقيدة : نعني بالقدوة المقيدة ،أي بما شرعه هللا ألنها غير معصومة ،كما هي في الصالحين واألتقياء من عباد هللا وتتمثل في االقتداء بالصحابة والعلماء واالقتداء بالوالدين وبالمعلم في المدرسة والجامعة والسبب في ذلك أنهم ليسوا معصومين من الخطأ فهم بشر يصيبون وي ِّ خطئون والمسلم يقتدي بهم عندما يصيبوا الحق ،ويجتنب االقتداء بهم عند مجانبتهم للصواب حيث رغب الحق تبارك وتعالى في أن يكون اإلنسان قدوة في الخير وحذره أن يكون قدوة في الشر ،قال ( : من سن في اإلسالم سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غيـر أن ينقص من أجورهم شيء ،ومن سن في اإلسالم سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) ()2 . التربية بالقدوة الحسنة لها أهمية كبرى في تربية الفرد وتنشئته على أساس 1 -سورة آل عمران (.)31 -2رواه مسلم. 8 سليم في كافة مراحل نموه ؛ ألن الناس لديهم حاجة نفسية إلى أن يتشبهوا باألشخاص الذين يحبونهم ويقدرونهم ،وأن هذه الحاجة تنشأ أول األمر من خالل األطفال لوالديهم وتقمصهم لهم. أهمية القدوة الحسنة في التربية كيف يتعلق الطالب بأستاذه وهو يرى أستاذه يأمر بأمر ويخالفه؟! كيف يتعلم الولد الصدق وهو يرى أباه يكذب؟! كيف تتعلم البنت الفضيلة وهي ترى أمها مستهترة؟! إن أعظم وسائل التربية هي القدوة ،وهي أن يرى االبن والطالب والشاب هذه القدوة العملية تتحرك أمام عينيه وبين يديه. عندما رأى الحسن و الحسين رضوان هللا عليهما شيخا كبي ار ال ي ِّ حسن الوضوء ،لم ينتهراه ،ولم يسخ ار منه؛ ألن هؤالء تربوا في مدرسة النبوة ،وتربوا في بستان األخالق ،وتربوا في حضن المصطفى فماذا فعل الحسن و الحسين ؟ قال الحسين ( :هال أتيت لتحكم بيننا ،ولترى من ال يحسن الوضوء؛ فإن الحسن يتهمني أني ال أحسنه ،وأنا أقول :بل أنت الذي ال تحسن الوضوء؟! فتوضأ الحسن فأتم وأكمل ،وتوضأ الحسين فأتم وأكمل). فهم الرجل هذا األسلوب التربوي الفريد بالقدوة الطيبة والمثل األعلى، فنظر إلى الحسن و الحسين وقال :كالكما على صواب ،وأنا المخطئ، فجزاكم هللا عني خي ار يا آل بيت رسول هللا! فهذه هي القدوة الطيبة ،والمثل األعلى. أعظم وسيلة من وسائل التربية :القدوة ،أن يرى الشباب قدوته تتحرك أمام عينيه وبين يديه ،ونتخيل لو أننا في مصلحة من المصالح الحكومية ،ورزق هللا هذه المصلحة بقائد تقي مؤمن ،فإذا ما استمع إلى أذان الظهر قام من مكتبه على الفور ليجدد وضوءه ،ثم نزل إلى مكان قد أعده للصالة ليصلي؛ فماذا ستكون النتيجة؟ إذا كان هذا هو رئيس المصلحة فهل سيتخلف عن 9 الصالة موظف في هذا المكان؟ بالطبع ال يمكن؛ ألن الرجل األعلى في هذا المكان قام بالقدوة الطيبة؛ ليعلمهم أنه إذا حان وقت الصالة فعلى الجميع أن يترك كل أعمال الدنيا ليضع أنفه وجبينه في التراب ذالا لخالقه ورازقه جل وعال. الرسول لما أمر الصحابة باإلنفاق كان أجود بالخير من الريح المرسلة ،فعن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال :ما سئل رسول هللا على غنما بين جبيلين ،فرجع اإلسالم ا شيئا إال أعطاه ،ولقد جاءه رجل فأعطاه ا إلى قومه فقال :يا قوم أسلموا؛ فإن محمدا يعطي عطاء من ال يخشى الفقر )(.)1 عندما يأتي طالب العلم الصغير فيرى أحد شيوخه يتعامل مع أحد الدعاة بمنتهى التواضع واإلجالل واألدب؛ سيتعلم بالقدوة أنه هكذا ينبغي أن يكون التعامل بين أهل العلم وأهل الفضل ،واذا رأى أستاذه وشيخه يجل رجالا كبي ار ًّ مسنا فسيتعلم بالقدوة كيف يكون اإلجالل ألصحاب الشيبة في اإلسالم، وهكذا . أروي قصة حكاها أحد الدعاة ،وهي أن إنسانا سافر إلى بالد الغرب ، فتاة تعلق بها أشد التعلق ،فاستأذن والده أن يتزوجها ،فكان الجواب ورأى ا قاسيا جدا إن تزوجتها فلست ابني ،ثم خطر في بال هذا الشاب الذي تعلق بهذه الفتاة تعلقا شديدا أن يغير رأي والده ،يا ِّ أبت لو أنها أسلمت أتسمح لي بالزواج منها ؟ قال له :أسمح لك ،فأخبرها أن العقبة الوحيدة في الزواج أن تسلمي ،سألته :كيف أسلم ؟ اشترى لها كتبا باللغة األجنبية عن اإلسالم والقرآن ورسول هللا والسيرة وما إلى ذلك ،كتب عديدة ،ودفعها إليها ،فكانت - 1رواه مسلم. 10 الفتاة ذكية جدا اشترطت عليه أن تبتعد عنه أربعة أشهر كي تستوعب هذه الكتب ،وكي تقرأها بعيدا عن ضغوطه ،فحصل فراق أربعة أشهر ،هذا الشاب كان يعد هذه المدة ال باألشهر وال باألسابيع وال باأليام وال بالساعات وال بالدقائق بل بالثواني إلى أن مضت هذه األشهر األربعة فالتقى بها ، وكان الخبر الذي أفقده توازنه حيث قالت له :إنني أسلمت واإلسالم حق لكنني لن أتزوجك ألنك لست مسلم ا ؛ ذلك ألنه لم يظهر جمال في سلوكه وتعامالته. وتبرز أهمية أسلوب ( القدوة الحسنة ) من عدة أمور ,منها : -1جعل هللا عز وجل لعباده أسوة عملية في الرسل والصالحين من عباده ، وعدم اكتفائه بإنزال الكتب عليهم ،فأرسل الرسل ،وقص على المؤمنين قصصهم وعرض سيرتهم ثم أمر باتباعهم ،واالقتداء بهم ،فقال سبحانه وتعالى(:أولئك الذين هدى هللا ،فبهداهم اقتده ) ()1 ،وقال تعالى ( :قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه) ( ،)2و قال عز وجل ( :لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو هللا واليوم ا خر )(.)3 -2إن من طبيعة البشر وفطرتهم التي فطرهم هللا عليها أن يتأثروا بالمحاكاة والقدوة ،أكثر مما يتأثرون بالق ارءة والسماع ،وال سيما في األمور العملية ، ومواقف الشدة وغيرها ...وهذا التأثير فطري ال شعوري في كثير من األحيان ،وهذا ال يعني أنه ليس هناك من يتأثر بالقراءة والسماع أكثر مما يتأثر بالمحاكاة والقدوة ،إنما هو حاصل ولكن بصورة أقل. -3إن أثر القدوة عام يشمل جميع الناس على مختلف مستوياتهم ،حتى 1 -سورة األنعام (.)90 -2سورة الممتحنة (.)4 3 -سورة الممتحنة (.)6 11 األمي منهم ،فبإمكان كل امرئ أن يحاكي فعل غيره ،ويقلده ولو لم يفهمه ؛ فهو في جميع أحواله قدوة حتى وهو نائم وتتناقل سيرته الناس على مر الزمان. -4من أقوى األساليب لتحويل السلوك تأثير القدوة فهو غير محدود بزمان وال مكان. من هنا :كان فضل الصحبة للصحابة الكرام رضوان هللا عليهم ال عظيما على من يخالف قوله عمله ،قال تعالى يعدله شيء ،وكان إنكار هللا ا ( :يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ال تفعلون * كبر مقتاا عند هللا أن تقولوا ما ال تفعلون ) (.)1 وألهمية القدوة في بناء الفرد واعداده فقد أكد الق ارن الكريم أهمية القدوة في تقرير مصير اإلنسان تأكيدا قويا وهو يدعو المسلمين إلى أن يدرسوا سيرة الرسول عليه الصالة والسالم فيتخذونها قدوة لهم. ومن هنا كانت القدوة عامال كبي ار في صالح األجيال أو فسادهم ،فالولد الذي يرى والده يترك الصالة يصعب عليه اعتيادها ،والذي يرى والده يكذب ويصعب عليه تعلم الصدق والذي يرى والده يغش يصعب عليه تعلم األمانة، فاألب الذي يصبح كذابا ويخدع غيره بكذبه وخداعه فإن أبناءه وتالمذته ومعاشريه يقلدونه ،ويتعلمون منه الكذب ووسائل الخداع ،ويحاكونه في ذلك ويبادلونه كذبا بكذب ،وخداعا بخداع ؛ أي أن ما يكتسبه الفرد من عادات مرغوب فيها ،أو غير مرغوب فيها يتوقف على نوع القدوة التي تعرض له أثناء اندماجه وتفاعله مع أسرته و مجتمعه ،ثم بعد ذلك يأتي دور العقل الذي ينتقي ويقتدي. 1 -سورة الصف (.)3،2 12 والمتأمل في تعاليم اإلسالم يجد التوجيهات الحكيمة لآلباء و األمهات حيال استخدام أسلوب القدوة في تربية األوالد ،من هذه التوجيهات على سبيل المثال بدء الولدين في إصالح أنفسهم أوال ،وأن يطهروا أنفسهم ؛ ألن فاقد الشيء ال يعطيه ،وأن يكونوا على درجة جيدة من االستقامة ،ألنه بصالحهم يصلح األوالد ،قال تعالى }:يا أيها الذين امنوا قوا أنفسكم وأهليكم نا ار { (.)1 فصالح رب األسرة ينتقل إلى األوالد عن طريق االقتداء به ،وتقليد معظم أعماله الصالحة من خالل تعايشهم مع والدهم ،وبذلك تكون وقاية أنفسهم وأهليهم من النار .وصدق قول الشاعر: ي ـا أيه ـ ـ ـ ـا الرجـ ـ ـ ـل اْلمعلِّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم غ ْي ـ ـ ـ ـ ـره *** هال لِّنْف ِّسك كان ذا الت ْعلِّيـ ـم ام وِّذي الضنى*** كيما ي ِّ صف الدواء لِّ ِّذي ِّ ت ِّ صح ِّب ِّه وأ ْنت س ِّقيـ ـ ـم السق ِّ ْ ْابدْأ ِّبنْف ِّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ف ْانهها ع ْن غِّيه ـ ـ ـا *** فِّإذا ْانته ْت ع ْنه فأ ْنت ح ِّكيم ظت ويْقت ـدى *** ِّباْلق ْو ِّل ِّم ْنك ويحصل التسليم إن وع ْ فهن ـ ـاك ت ْع ـذر ْ ال ت ْن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ع ْن خلـ ـ ـ ٍق وتأِّْتي ِّم ْثل ـ ـ ـ ـه *** ع ٌار عل ْيك إذا فعْلت ع ِّظي ـ ـم إن التربية بالقدوة من أهم وأخطر وسائل التربية ،واننا نرى ا ن كثي ار من كبير ورهيبا؛ فهو ال يرى قدوة شباب األمة يتخبط في حيرة ،يرى انفصاما اا عملية أو تكون القدوة موجودة ولكنها بعيدة عنه ،وهنا يعيش كثير من شبابنا في هذا الصراع النفسي القاتل ،لماذا؟ ألنه يسمع كالما ككالم جحا الذي صنع يوما ساقية على النهر ،تأخذ الماء من النهر فترد نفس الماء إلى نفس النهر ،فتعجب الناس وقالوا :عجب ا لك يا جحا ! تصنع ساقية تأخذ الماء من النهر لترد نفس الماء إلى نفس النهر ،فقال :جحا :يكفيني نعيرها ،وهذا هو الواقع ،يكفينا أننا نسمع هذا الصياح ،فهذا الصراع النفسي الذي يعيشه كثير 1 -سورة التحريم(.)6 13 من شباب األمة إنما هو نتيجة حتمية لهذا األمر ،ورحم هللا من قال: مشى الطاووس يوما باختيال *** فقلد شكل مشيته بنوه فقال عالم تختالون؟ قالوا *** ب ـ ـدأت به ونحـ ـ ـن مقلـ ـ ـ ـدوه فخالف سيرك المعوج واعدل *** فإنا إن عدلت معـدلـ ـوه أم ـا تدري أبـ ـانا ك ـل ف ـ ـرع *** يجاري بالخطى م ْن أدب ـوه وينش ـ ـأ ناشئ الفتيـان منـا *** على ما كان عوده أبـ ـ ـوه فهذه الفجوة الكبيرة بين الجانب النظري والجانب العملي أو المثل الحي ال بد من القضاء عليها ؛ حتى ننجح في تربيتنا ونفوز في الدارين حيث قال تعالى:ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮪ ﮭ ﮮ ﭼ( .)1 فعن عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة قال في تفسير هذه ا ية :كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة هللا وبتقواه ،وبالبر ،ويخالفون ،فعيرهم هللا ،عز وجل(.)2 محمد هو المعلم األول والقدوة المثلى ِّ ليحول هذا المنهج ومن هنا أرسل هللا القدوة والمثل للعالمين جميعا؛ الرباني إلى واقع عملي ؛ وذلك ألن هللا جل وعال يعلم أن المنهج التربوي ال يمكن { لق ْد وذكر أن يتحول في دنيا الناس إلى واقع عملي إال بالقدوة ،فقال جل وعال: كان لكم ِّفي رس ِّ ول ّللاِّ أ ْسوةٌ حسن ٌة لِّم ْن كان ي ْرجو ّللا واْلي ْوم ا ِّخر ْ ير }(.)3 ّللا كِّث اا ِّ ليحول المنهج ولذا بعث هللا محمدا القدوة الطيبة والمثل األعلى النظري إلى منهج حياة ،فأدبه ربه وزكاه في كل شيء: 1 -سورة البقرة (.) 44 - 2تفسير ابن كثير. -3سورة األحزاب(.)21 14 فزكاه ربه في عقله فقال سبحانه { :ما ضل ص ِّ احبك ْم وما غوى }(.)1 وزكاه ربه في فؤاده ورؤيته القلبية فقال سبحانه { :ما كذب اْلفؤاد ما أرى }(.)2 وزكاه في بصره ورؤيته البصرية فقال سبحانه{:ما زاغ اْلبصر وما طغى }(.)3 وزكاه وزكاه وزكاه وزكاه في صدره فقال سبحانه { :أل ْم ن ْشرْح لك ص ْدرك }(.)4 سبحانه في ِّذ ِّ كره وعلو شأنه ،فقال { :ورف ْعنا لك ِّذ ْكرك }(.)5 في طهره فقال { :ووض ْعنا عنك ِّوْزرك }(.)6 ِّ ِّ ِّ ِّ يم }(.)7 في حلمه فقالِّ { :باْلم ْؤ ِّمنين رء ٌ وف رح ٌ وزكاه في ِّع ِّ لمه فقال { :علمه ش ِّديد اْلقوى }(.)8 وزكاه في ِّ ص ِّ دقه فقال { :وما ي ْن ِّطق ع ِّن اْلهوى }(.)9 وزكاه كله وقال { :واِّنك لعلى خل ٍق ع ِّظي ٍم }(.)10 وعن عائشة رضي هللا عنها أنها سئلت عن خلق النبي ، فقالت : كان خلقه القرآن( .)11فمحمد أعظم قدوة ؛ ولذا يجب علينا أن نأخذ القدوة 1 2 -سورة النجم(.)2 -سورة النجم(.)11 3 -سورة النجم(.)17 5 -سورة الشرح (.)4 4 -سورة الشرح(.)1 6 -سورة الشرح(.)2 8 -سورة النجم(.)5 7 9 سورة التوبة(.)128 -سورة النجم(.)3 - 10سورة القلم (.)4 11 -رواه مسلم في األدب المفرد. 15 هذه مثالا أعلى ،فرسول هللا قدوتنا ،رجل وشخصية جمع هللا جل وعال فيها شخصيات كثيرة في آن واحد ،فهو رسول هللا ،فهو رجل سياسة من الطراز األول ،يبني دولة وأمة من الفتات المتناثر ،فإذا هي بناء ال يطاوله بناء في فترة زمنية قليلة يعجز غيره أن يفعل ذلك. صور ومالمح القدوة في شخصية الرسول : يطول بنا األمر جدا لو حاولنا استقصاء المواقف التي كان فيها الرسول قدوة ألصحابه ،وانما يمكن القول إجماالا بأن رسول هللا صلى هللا عليه ا وسلم كان قدوة ألصحابه في كل شيء ،وفي جميع المجاالت ،وهذه بعض مالمح و صور القدوة التي نقتدي بها من حياة معلم البشرية : في بيت النبي : قدوة في حياته األبوية فهو أب وزوج ،ورب أسرة كبيرة تحتاج كان ا كثي ار من النفقات ،نفقات الوقت ،ونفقات الجهد ،ونفقات الشعور باألمانة ، ونفقات الفكر ،ونفقات العقل ،ونفقات التربية ،ونفقات التوجيه ،فضالا عن قدوة في حياته نفقات المادة ،فقام الحبيب بهذا الدور خير قيام ،فكان ا ِّ الزوجية ،و ِّ توجيه ِّهن ،فقال (: خ ْيركم خ ْيركم الصبر على أهله ،وحسن ألهلِّ ِّه ،وأنا خ ْيركم أل ْهلِّي)(.)1 ْ في إنسانيته : وهو رجل إنساني من الطراز األول ،تشغله هموم الناس ،وتمأل نفسه مشاعرهم وآالمهم وأحزانهم ،فيمنحهم من وقته وفكره وعقله وجهده ،بل ومن ماله وتربيته و توجيهه كأنه رجل قلبه قلب إنسان قد شغلته في هذه الدنيا هموم الناس فحسب على الرغم من ِّعظم هموم رسالته. 1 -سنن الترمذي وابن ماجه. 16 وهو قدوة في حسن معاملة ا ِّ لصغار ،واألصحاب ،والجيران ،وكان يسعى ائج المسلمين ،وكان أوفى الناس بالوعد ،وأشدهم ائتمانا على في قضاء حو ِّ الودائع ،وأكثرهم ورعا وحذ ار من أكل مال الصدقة ،أو االقتراب مما استرعاه هللا من أموال المسلمين. في عبادته ودعوته : وهو رجل عابد خاشع خاضع أواب ،وكأنه رجل تفرغ للعبادة فقط ال يشغله هم من هموم الدنيا ،وال تؤثر فيه شهوة من شهواتها أو نزوة من نزواتها .فقد أمر النبي أصحابه بالعبادة فتورمت قدماه من العبادة فروي عنه أنه قام صلى هللا عليه و سلم حتى تورمت قدماه فقيل له غفر هللا لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال ( أفال أكون عبدا شكو ار )( ،)1فال تقل البنك: صل ،وأنت جالس في البيت ،وال تقل البنك :ال تدخن ،وأنت تدخن في وجهه كل ليلة ،أين القدوة؟ حتى لو امتثل الولد سيمتثل بخلل ،وبدون اتزان وتوافق. ِّ ٍ ِّ الناجمة عن كيد الشدائد داعية إلى هللا سبحانه يصبر على وكان أفضل أعداء هللا وأعداء الفضيلة وتواطئهم ،وكان حازم ا ال يفقد حزمه في ِّ أشد المو ِّ اقف هوالا وجزعا؛ ألن ملجأه إلى هللا سبحانه وتعالى يستْل ِّهم منه القوة ِّ والصبر ،وموقفه من ٍ الطائف عندما ذهب لدعوتهم خير دليل على ثقيف في ذلك. في جوده وكرمه : فهذا النبي الكريم هو القدوة في الجود أمرهم باإلنفاق والبذل والعطاء 1 -رواه البخاري ومسلم . 17 فكان أجود بالخير من الريح المرسلة ،فقد ورد في صحيح مسلم من حديث أنس رضي هللا عنه أنه قال( :ما سئل رسول هللا صلى هللا عليه و سلم على اإلسالم شيئا إال أعطاه قال فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من ال يخشى الفاقة)(.)1 في تواضعه : قد أمر النبي الصحابة رضوان هللا عليهم بالحلم والرحمة والتواضع فكان سيد هذه الصفات ،واحتل ذروة سنامها فيكفي أن نقف مع هذا المشهد الحي ،مع حديث صحيح رواه ابن ماجة والحاكم وغيرهما ( :أن أعرابي ا دخل على النبي يوما فارتعدت فرائصه واضطربت جوارحه ،فماذا قال له الحبيب؟ فقال لهِّ : هون عليك فإني لست بملك ،إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد في مكة )( )2فنحن ا ن في أمس الحاجة إلى أن نتواضع مع الناس ،وقد قال ( : ما نقص ْت صدق ٌة ِّم ْن م ٍ ال وما زاد ّللا ع ْب ادا ِّبعْف ٍو ِّإال ِّع ًّاز وما تواضع أحٌد ِّّلِلِّ ِّإال رفعه ّللا)(.)3 فإذا من هللا عليك بالعلم أو المعرفة أو المال أو الصحة أو أي خير فتواضع ليرفعك هللا ،ليزيدك هللا جل وعال ،فمن تواضع هلل رفعه ،ال تتعال على إخوانك وأحبائك و طالبك و زمالئك وجيرانك وفقراء الناس ،فتذكر فضل هللا عليك ونعمة هللا عليك ،فإذا تخلى هللا عنك برحمته طرفة عين لهلكت ،م ْن أنت حتى تغتر بما حباك هللا إياه ِّم ْن النعم؟ م ْن أنت حتى تغتر بمالك؟ م ْن أنت حتى تغتر بجاهك؟ أنت ال شيء بدون ستر هللا وفضله 1 ( -فأعطاه غنما بين جبلين ) أي كثيرة كأنها تمأل ما بين جبلين. 3 -صحيح مسلم. -2رواه الحاكم في المستدرك وابن ماجه في سننه وابن سعد في الطبقات. 18 ورحمته ،فكنت ضاالا فهداك ،وكنت وضيع ا فرفعك ،وكنت فقي ار فأغناك، وكنت ذليالا فأعزك ،فاعرف فضل هللا عليك ،فلو تخلى هللا عنك طرفة عين لكنت بمثابة الشاة التي تنهشها الذئاب من كل ناحية ،يقول تعالى { :يمُّنون عل ْيك أ ْن أ ْسلموا ق ْل ال تمُّنوا علي ِّإ ْسالمك ْم ب ِّل ّللا يم ُّن عل ْيك ْم أ ْن هداك ْم لِّ ِّ إليم ِّ ان ِّإ ْن كنت ْم ص ِّاد ِّقين } (.)1 في حربه : هو رجل حرب من الطراز األول ،يقود الجيوش ،ويضع الخطط ،ويقف في غرفة العمليات ليوجه الجند والصف من مركز القيادة ،بل إذا حمي الوطيس واشتدت المعركة وصمتت األلسنة الطويلة ،كان الحبيب في مقدمة الصفوف ،ولما انتشرت شائعة قتله فإذا به يعلن بأعلى صوته للجمع ويقول (:أنا النبي ال كذب ،أنا ابن عبد المطلب )(.)2 وفي الغزوات يتقدم الصحابة ،وكان في غزوة الخندق يربط الحجر على بطنه الشريفة! ويحفر الخندق مع الصحابة ،ويرتجز مثل ما يرتجزون ، فكان مثاالا للمربِّي القدوة ،يتبعه الناس ،ويعجبون بشجاعته وصبره . في تنفيذه ألوامر هللا تعالى: كانت عادة التبِّني متأ ِّ صل اة بين العرب قبل اإلسالم ،وكانوا يعاملون االبن فيحرمون الزواج من امرِّأت ِّه ،وي ِّ الص ِّ لب؛ ِّ عظمون هذا بالتبني معاملة االبن من ُّ األمر جدا ،فلما جاء اإلسالم وحرم التبِّني ،وأراد اقتالع آثار الجاهلية من ِّ يكتف في ذلك بالدعوة النظرية لتحريم التبني وهدم آثاره نفوس المسلمين ،لم بل دعم تلك الدعوة النظرية بالتطبيق العملي ،فأمر هللا تعالى رسوله 1 -سورة الحجرات (.)17 - 2أخرجه البخاري ومسلم. 19 بالتزوج من زينب ِّ بنت جحش رضوان هللا عليها التي كانت زوج اة لز ِّيد بن حارثة ،الذي تبناه الرسول وكان ي ْدعى زيد بن محمد ،قال تعالى( :فلما اج قضى زْيٌد ِّم ْنها وط اار زو ْجناكها لِّكي ال يكون على اْلم ْؤ ِّمِّنين حرٌج ِّفي أ ْزو ِّ أ ْد ِّعي ِّائ ِّه ْم ِّإذا قض ْوا ِّم ْنهن وط اار وكان أ ْمر ّللاِّ مْفعوالا) (.)1 ِّ الجاهلية ِّ النبي وهكذا أجرى هللا عز وجل إبطال ا ثار للتبني "على يد ِّ ومواله ز ِّيد بن حارثة ،و ِّ ابنة عمته زينب بنت جحش؛ ليكون درس ا عملي ا قوي ا، في تحقيق ما أمر هللا تعالى به ،وتنفيذه ،مهما كانت الرغبة والهوى ، ومهما كانت ا ثار والنتائج. وهذا شأن المؤمن دائما مع هللاِّ تعالى وأو ِّ امرِّه ،يسمع ويطيع ،ويلبي ويستجيب ،رِّغب ْت نفسه في ذلك أم لم ت ْرغ ْب ،وافق المجتمع ِّمن حولِّه أم لم يو ِّافق ،رضي الناس عن فعله أم كرهوا ،فاألمر أوالا وأخي ار هلل رب العالمين. حال الصحابة مع االمتثال و التطبيق العملي لقدوتهم أما حال الصحابة رضوان هللا عليهم فلم يأمرهم النبي بأمر إال وكانوا أول الممتثلين له ،وما نهاهم عن شيء إال وكانوا أول المجتنبين له ،وما حد لهم ًّ حدا إال وكانوا أول الواقفين عند هذا الحد ،فمن هذه المواقف التي تجسد إسراع الصحابة للتطبيق العملي لقدوتهم نختار الموقف التالي: ُّ َّ الح َدِي ِبَي ِة: الحْلق للتحلل من ُع ْمَرِة ُ الن ْحر و َ لما صد المشركون الرسول وأصحابه عن البيت الحرام ،حين أرادوا العمرة عام الحديبية ،وبعد إبرام الصلح مع قريش ،كان وقع ذلك عظيم ا على صحابة رسول هللا فلما أمرهم عليه السالم بنحر ما معهم من اله ْدي لي ِّحُّلوا من إحرامهم ،لم يستجب أحد من الصحابة لهذا األمر ،مع ِّ شدة 1 -سورة األحزاب (.)37 20 ِّ طاعته . ، حرصهم على وهنا يتجلى األثر العظيم للقدوة ؛ إذ أشارت ُّأم سلمة رضوان هللا عليها على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن يقوم هو أوالا فينحر بدنة ويحلق شعره؛ ألن صحابته سيقتدون به عند ذلك ال محالة ،فقام رسول هللا صلى هللا عليه وسلم "فخرج ،فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ،نحر بدنة ،ودعا حالقه فحلقه ،فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا ،وجعل بعضهم يحلق بعض ا. ففي هذه القصة داللة ظاهرة على التفاوت الكبير بين تأثير القول وتأثير الفعل ،ففي حين لم يتغلب القول على هموم الصحابة ُّ وتأل ِّمهم مما حدث ، اقتداء بالرسول حين تحول فلم ينصاعوا لألمر ،نجدهم بادروا إلى التنفيذ؛ ا أمره القولي إلى تطبيق عملي ،حتى كاد يقتل بعضهم بعض ا من شدة المسارعة إلى فعل ما فعله النبي ؛ ولهذا يدعو اإلسالم إلى دعم القول بالعمل ،ومطابقة األفعال لألقوال مع االلتزام الكامل بقول النبي. ومن هنا تعلقت القلوب برسول هللا صلى هللا عليه وسلم؛ ألنه قال وفعل، وقدم القدوة العملية المشرقة في أروع وأجل صورها ،فأعظم سبب لتعلق القلوب بالقدوة ،أن يرى الناس في القدوة النموذج الحي لكل ما يقول. إن قدوتنا وأسوتنا هو رسول ، وعندما قدم اإلسالم هذه القدوة فإنه لم يقدمها لجيل الصحابة فحسب ،وانما قدم اإلسالم هذه القدوة لتظل خالدة على مر األجيال والقرون ،ولم يقدمها اإلسالم لتكون قدوة باهتة ليتعامل الناس معها تعامالا نظري ا بحت ا ،وانما ليحول الناس هذه القدوة مرة أخرى في حياتهم إلى منهج حياة ،والى واقع متحرك مرئي ومسموع ومنظور كما قال تعالى{:لق ْد كان لكم ِّفي رس ِّ ول ّللاِّ أ ْسوةٌ حسن ٌة لِّم ْن كان ي ْرجو ّللا واْلي ْوم ا ِّخر ْ 21 ير }(.)1 وذكر ّللا كِّث اا فيا أيها المسلم! يا أيها األستاذ! يا أيها المربي! يا أيها األب الكريم! يا أيتها األم الفاضلة! يا من حملك هللا أمانة التربية ،وأمانة التوجيه ،وأمانة الكلمة ،فالتربية بالقدوة الحسنة من أعظم وسائل التربية حين تترجم إلى واقع عملي مشاهد ،كما كان حال المعلم األول والمربي العظيم عليه الصالة والسالم. شروط تطبيق أسلوب الموعظة الحسنة -1األسلوب الرقيق الذي يستميل قلوب الناشئين أثناء النصيحة. -2أن تقترن الموعظة بالشعور بالمحبة والعطف عليهم. -3يختار لها الوقت المناسب الذي تكون النفوس فيه هادئة. -4عدم التطويل الممل في الموعظة أو التكرار الزائد. -5المبادرة بالموعظة عندما يلحظون انحرافا في سلوك األوالد. -6عليهم أن يبادروا بالوعظ مراعين األهم فالمهم فإذا كان هناك واجبان أحدهما فرض عين واألخر فرض كفاية مثالا ففي هذه الحالة يوعظ األوالد بالواجب األول ثم الثاني. الخالصة إنه من اليسير جدا أن نق ِّدم منهج ا نظري ا في التربية ،فمن السهل أن يجلس ٍ مفكر ليضع منهجا تربويا نظريا غاية في اإلتقان مرب أو مبدعٌ أو ٌ واإلبداع ،ولكن هذا المنهج يظل حب ار على ورق ال قيمة له على اإلطالق ما لم يتحول في حياة الناس إلى واقع يتحرك. فالمنهج النظري ليس له قيمة إال إذا تحول في حياة الناس إلى منهج 1 -سورة األحزاب(.)21 22 عملي ،فنحن نتغنى بالصدق ،ولكن ندر الصادقون! ونتغنى باألمانة ،ولكن قل أهل األمانة! ونسعد بالوفاء بالعهد والوعد ،ولكن ندر الموفون بوعودهم وعهودهم! وهكذا . فالمنهج النظري حتى وان كان رائعا جميالا يظل حب ار على ورق ما لم يتحول إلى واقع يتحرك في دنيا الناس. ولذلك لما شرع هللا جل وعال هذا المنهج التربوي المعجز فهو يعلم وهو العليم الخبير أنه البد لكي يتحول هذا المنهج التربوي في حياة الناس إلى واقع أنه البد للناس من قدوة تتحرك بهذا المنهج في دنيا الناس ،فيعي الناس أن هذا المنهج حق؛ ألنهم رأوه بأعينهم واقعا يتحرك في دنياهم ،ومن ثم بعث هللا أعظم قدوة وأطهر مثل محمدا ؛ لتتحرك هذه القدوة وليتحرك هذا المثل بين الناس ،فيعلم الناس علم اليقين أن هذا المنهج حق ال مراء فيه؛ ألنهم يرونه يتجسد في هذه القدوة الطيبة والمثل األعلى ،في محمد بن عبد هللا . وقد زكى هللا هذه القدوة تزكية مطلقة زكاه في عقله ،وفي علمه ،وفي صدقه ،وفي فؤاده ،وفي قلبه ،وفي صدره ،وفي حلمه ،وفي كل شيء؛ لتكون هذه القدوة وليكون هذا المثل مستم ار على مدار األزمان واأليام؛ ألن اإلسالم وهو يق ِّدم هذه القدوة ال يقدمها لإلعجاب ،وال لنتغنى بقدوته وأخالقه وصدقه ،ثم يتوقف حالنا عند هذا الحد ،كال! واننا نرى كثي ار من أبناء األمة ا ن يتغنون بأخالق الحبيب المصطفى ،بل ويعلنون على مدى األزمان واأليام أن قدوتهم الطيبة ومثلهم األعلى هو رسول هللا ، في الوقت الذي ال نرى فيه اتباع ا عملي ا لهذه القدوة الطيبة ،ولهذا المثل األعلى. فالرسول كان آية من آيات هللا ،وعجيبة من عجائب الكون ،ومعجزة من معجزاته ،جمع هللا في شخصه شخصيات كثيرة؛ فهو رسول من عند هللا 23 ،يتلقى الوحي من السماء؛ ليربط األرض بالسماء بأعظم رباط وأشرف صلة. وهو رجل سياسة من الطراز األول ،يقيم دولة من فتات متناثر ،فإذا هي بناء ال يطاوله على اإلطالق بناء. تم بعون هللا وتوفيقه ,وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين. ّ 24