...

\送料無料 ポイント10倍 / 【RODY ベビーバギー】【バギー ベビーカー

by user

on
Category: Documents
3

views

Report

Comments

Transcript

\送料無料 ポイント10倍 / 【RODY ベビーバギー】【バギー ベビーカー
‫وزارة األوقـاف والـشؤون اإلسـالمية‬
‫إدارة شئون القرآن الكريم‬
‫مراقبة حلقات ومراكز حتفيظ القرآن الكريم (بنني)‬
‫قسم اإلسناد الفين‬
‫هكذا تكون قدوتنا!‬
‫بحث قصير عن‬
‫القدوة الحسنة وعالقتها بالتربية في اإلسالم‬
‫إعداد‬
‫أحمد حماد حافظ‬
‫‪1‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على سيدنا محمد الصادق الوعد األمين ‪،‬‬
‫اللهم ال علم لنا إال ما علمتنا ‪ ،‬إنك أنت العليم الحكيم ‪ ،‬اللهم علمنا ما ينفعنا ‪ ،‬وانفعنا‬
‫بما علمتنا ‪ ،‬اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار العلم و المعرفة ‪.‬‬
‫فإن المتأمل في أحوال األمم اليوم التي تدعي السبق في الحضارة والصناعة‬
‫واالقتصاد‪ ،‬يجد أنها في جانب األخالق متردية في االنحطاط والرذيلة ومحاربة‬
‫الفضيلة‪ ،‬فحياتها كحياة األنعام بل أشد ؛ ألنها حرفت في المنهج السماوي ‪ ،‬أو ألنها‬
‫اسا وقدوة في حياتها ‪ ،‬أما اإلسالم فقد جاء‬
‫أصال‬
‫ال تملك ا‬
‫ا‬
‫منهجا سماويًّا تتخذه نبر ا‬
‫ليربي أمة‪ ،‬وينشئ مجتمعا ويقيم نظاما ؛ ولذلك كانت أمة محمد صلى هللا عليه وسلم‬
‫فإنها أطهر األمم وأنزهها وأشرفها وأفضلها؛ ألنها التزمت منهج المربي األول محمد‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فأكرمها هللا بالوسطية واالعتدال في كل مناهج الشرع ‪ ،‬وفي كل‬
‫مناحي الحياة‪.‬‬
‫فمن الواجب علينا االلتزام بهذا المنهج اإللهي والتمسك به وتربية أنفسنا عليه ‪،‬‬
‫والتربية تحتاج إلى زمن والى تأثير وانفعال بالكلمة ‪ ،‬والى حركة تترجم التأثير‬
‫واالنفعال إلى واقع ‪ ،‬وهكذا حالها في ضوء منهج اإلسالم ؛ فكان للتربية بالقدوة الدور‬
‫الكبير في إعداد الفرد الصالح الذي ِّ‬
‫يؤدي إلى النجاح في تكوين المجتمع الصالح ؛‬
‫ألن الفرد نواة األسرة ‪ ،‬واألسرة هي نواة المجتمع‪.‬‬
‫وتعتبر التربيـة بالقدوة أسلوبا إسالميا أصيالا بدأه رسول هللا ‪ ‬وربى أصحابه على‬
‫ذلك ‪ ،‬وحينما رأوه ‪ ‬قـدوة فيما يأمر وينهى أحبوه وتسابقوا في تنفيذ أمره ‪ ،‬وعملوا بما‬
‫علموه من سلوكه ‪ ،‬فصنعوا من أنفسهم قدوات في الخير والهدى والرشاد ‪ ،‬فقادوا‬
‫البشرية إلى طريق األمن واإليمان و الخير واإلحسان والسعادة والسالم‪.‬‬
‫ونحن اليوم في حاجة إلى القدوات التي تبرز في ميادين الحياة ‪ ،‬القدوة التي‬
‫تدعو إلى صفاء المعتقدات اإليمانية ووضوح المنهج ‪ ،‬القدوة التي تدعو إلى أداء‬
‫الشعائر التعبدية وتكون هي أحرص الناس على أدائها ‪ ،‬القدوة التي تدعو إلى مكارم‬
‫األخالق والى التضحية والفداء والبذل والعطاء ‪ ،‬القدوة التي تترجم الكلمات إلى مواقف‬
‫‪2‬‬
‫خالدة في تاريخ األمة ؛ ولذلك تناولنا هذا الموضوع ؛ ليكون ذلك عونا في تعلم و‬
‫إيجاد القدوات الصالحة في الميادين العملية المتعددة من حياة الناس ‪.‬‬
‫مفهوم التربية‪:‬‬
‫التربية في اللغة تعني(‪ " :)1‬ربا يربو بمعنى زاد ونما "‪ ،‬وفي القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬قال تعالى‪ ( :‬فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج‬
‫بهيج ) (‪ ،)2‬أي نمت وازدادت‪ ،‬ورباه بمعنى أنشأه‪ ،‬ونمى قواه الجسدية‬
‫والعقلية والخلقية ‪ ،‬كما في قوله تعالى‪" :‬ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من‬
‫عمرك سنين"(‪ .)3‬وأيضا قوله تعالى‪" :‬وقل رب ارحمهما كما ربياني‬
‫صغيرا"(‪ .)4‬إشارات إلى ذلك المعنى اللغوي للتربية‪ ،‬فهي بمعناها الواسع تعني‬
‫ا‬
‫كل عملية تساعد على تشكيل عقل الفرد وجسمه وخلقه باستثناء ما قد يتدخل‬
‫فيه من عمليات تكوينية أو وراثية‪ ،‬وبمعناها الضيق تعني غرس المعلومات‬
‫والمهارات المعرفية من خالل مؤسسات أنشئت لهذا الغرض تهتم بالمجال‬
‫التربوي ‪ ،‬كذلك فإن تعريف التربية يختلف باختالف وجهات النظر ويتعدد‬
‫حسب الجوانب والمجاالت المؤثرة فيها والمتأثرة بها‪.‬‬
‫ولقد أقر مجمع اللغة العربية في مصر تعريف التربية‪" :‬بأنها تبليغ‬
‫الشيء إلى كماله‪ ،‬أو هي كما يقول المحدثون تنمية الوظائف النفسية‬
‫بالتمرين حتى تبلغ كمالها شيئا فشيئا"‪.‬‬
‫وهي كذلك عملية تهذيب للسلوك‪ ،‬وتنمية للقدرات حتى يصبح الفرد‬
‫صالحا للحياة‪ ،‬فهي عملية تغذية‪ ،‬وتنشئة‪ ،‬وتنمية جسدية وخلقية وعاطفية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬لسان العرب البن منظور‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬سورة الحج (‪.)5‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬سورة الشعراء (‪.)8‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬سورة اإلسراء(‪.)24‬‬
‫‪3‬‬
‫وعندما نتكلم عن التربية بمفهومها العلمي ‪ ،‬فنعني بها تلك التي تعود‬
‫الطفل على التفكير الصحيح والحياة الصحيحة بما تزِّوده من معارف‪،‬‬
‫وتجارب‪ ،‬تنفع عقله‪ ،‬وتغ ِّذي وجدانه‪ ،‬وتن ِّمي ميوله ومواهبه وتع ِّوده العادات‬
‫الحسنة‪ ،‬وتجِّنبه العادات السيئة‪ ،‬فينشأ قوي الجسم‪ ،‬حسن الخلق‪ ،‬سليم‬
‫العقل‪ ،‬متزن الشخصية‪ ،‬قاد اار على أداء رسالته في الحياة(‪.)1‬‬
‫أما التربية في اإلسالم فتميزت بتركيزها على الجانب العلمي و العملي‬
‫في التربية‪ ،‬فدعت إلى تعليم الناس وتثقيف عقولهم‪ ،‬وتصفية أرواحهم‪ ،‬وتقوية‬
‫أجسادهم في ضوء القرآن والسنة ؛ ليكونوا أهال لتحمل مسؤوليات الدعوة‬
‫اإلسالمية التي أ ِّمروا بنشرها بين الناس كافة‪.‬‬
‫واعتمدت التربية على التلقين والمحاكاة في مجتمع ناشئ على تعاليم‬
‫اإلسالم المعتمدة على أصلين هما ‪ :‬القرآن الكريم‪ ،‬والسنة النبوية الشريفة‪،‬‬
‫وتمثلت أصولها في مفاهيم اتفق عليها علماء األمة واستنبطوها من أصول‬
‫الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬ت ِّ‬
‫مكن المسلمين من مسايرة التطور اإلنساني مع‬
‫اختالف الزمان والمكان‪ ،‬وتتكيف مع المطالب البشرية المستحدثة من خالل‬
‫االجتهاد‪.‬‬
‫وي ِّ‬
‫عرفه ـ ــا ال ـ ــدكتور عب ـ ــدالرحمن حج ـ ــازي به ـ ــذا المفه ـ ــوم اإلس ـ ــالمي بأنه ـ ــا‬
‫مجموع ــة التصـ ـرفات العملي ــة أو القولي ــة ( النابع ــة م ــن العقي ــدة ) المستض ــيئة‬
‫بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة واالجتهاد على ضوئهما؛ لتحقيق الغايات‬
‫التي حـددها اإلسـالم لنمـو المسـلم وسـعادته فـي الحيـاة الـدنيا وا خـرة‪ ،‬أو لنمـو‬
‫غيره وسعادته(‪.)2‬‬
‫من أهم وسائل التربية في اإلسالم في ضوء القرآن والسنة‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬مدخل إلى علوم التربية لكمال عبد هللا وعبد هللا قلي‪.‬‬
‫‪ -2‬التربية اإلسالمية بين األصالة والحداثة للدكتور عبدالرحمن حجازي‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫التربية بالقدوة‬
‫تعريف القدوة في اللغة ‪:‬‬
‫القدوة و ِّ‬
‫القدوة تق أر بالضم والكسر وهي تعني من يقتدي به اإلنسان ويستن‬
‫بسنته ‪ ،‬فيقال ‪ :‬فالن قدوة يقتدى به ‪ ،‬والقدوة ‪ :‬المثال الذي يتشبه به غيره ‪،‬‬
‫فيعمل مثل ما يعمل ‪ ،‬ويحذو حذوه في كل صغيرة وكبيرة ‪.‬‬
‫والقدوة مثل األسوة ‪ ،‬ويقال ‪ :‬تأسيت به إذا اقتديت به ‪ ،‬واتبعته في جميع‬
‫أحوالي‪ ,‬وقال تعالى ‪( :‬وِّانا على آث ِّارِّه ْم مْقتدون)(‪ ,)1‬أي سائرون على منوالهم‬
‫ومنهجهم وطريقتهم في هذه الحياة‪.‬‬
‫ويعني االقتداء بالرجل في كالم العرب ‪ ،‬اتباع أثره واألخذ بهديه ‪ ،‬فيقال‪:‬‬
‫" فالن يقدو فالن ا " إذا نحا نحوه وسار على دربه واتبع أثره‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬
‫القدوة اصطالحاً ‪:‬‬
‫القدوة الصالحة بمفهومها العام هي مثال من الكمال النسبي المطلوب ‪،‬‬
‫يثير في الوجدان اإلعجاب فتتأثر به تأث ار عميقا ‪ ،‬فتنجذب إليه بصورة تولد‬
‫في اإلنسان القناعة التامة به ‪ ،‬واإلخالص الكامل له‪.‬‬
‫أما بمفهومها الشرعي القدوة أو األسوة ما يتأسى به أي يتعزى به فيقتدي‬
‫به في جميـع أحواله ويتخذه مثالا أعلى ونموذج ا له في كافة حركاته وأقواله‬
‫ومواقفه وهللا تعالى لم يقتصر على تقديم رسوله على أنه القدوة الحسنة‬
‫فحسب بل جعل هللا تعالى منهجا بين الناس وسنة لهم‪ ،‬وانما حكى هللا تعالى‬
‫عشرات القصص القرآنية واألخبار التاريخية لمزيد القدوة واالعتبار‪ .‬قال‬
‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫ص ِّهم ِّع ْبرةٌ ِّألولِّي األْلب ِّ‬
‫اب ﴾(‪ ،)3‬وقال تعالى‪:‬‬
‫ْ‬
‫تعالى‪﴿ :‬لق ْد كان في قص ْ‬
‫‪1‬‬
‫ سورة ُّ‬‫الزخرف(‪.)23‬‬
‫‪ -2‬لسان العرب ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬سورة يوسف (‪.)111‬‬
‫‪5‬‬
‫الرس ِّل ﴾(‪ ،)1‬وال تقتصر القدوة على‬
‫اصِّب ْر كما صبر أ ْولوا اْلع ْزِّم ِّمن ُّ‬
‫﴿ف ْ‬
‫خصوص األنبياء واألولياء واألوصياء بل تتعداها إلى األتباع واألنصار كما‬
‫قال تعالى‪﴿:‬أ ْولِّئك ال ِّذين هدى ّللا فِّبهداهم ا ْقت ِّد ْه﴾(‪.)2‬‬
‫أنواع القدوة ‪:‬‬
‫إذا نظر اإلنسان في كتاب هللا وسنة نبيه ‪ ‬وفي أوضاع الناس وأحوالهم‬
‫يتضح له أن القدوة تنقسم إلى نوعين ‪:‬‬
‫‪ -1‬القدوة الحسنة ‪ :‬وهي التي تتخذ االقتداء برسول هللا منهجا وسلوكا‬
‫وتتأسى به ‪ ‬في تطبيقها العملي في واقع الحياة ‪ ،‬وهذا النوع إنما يسلكه‬
‫ويوفق إليه من كان يرجو هللا واليوم وا خر ‪ ،‬ودخل اإليمان قلبه ‪.‬‬
‫‪-2‬القدوة السيئة ‪ :‬وهي على عكس ذلك تماما ‪ ،‬فهي ال تتأسى برسول هللا‬
‫‪ ‬وال تتشرف بحمل اإلسالم ‪ ،‬بل إنها تعتز بانتسابها لغيره ‪ ،‬كقول‬
‫المشركين حين دعتهم رسل هللا للتأسي بهم كما بين القرآن الكريم ذلك ‪ ،‬قال‬
‫تعالى ‪ِّ( :‬إنا وج ْدنا آباءنا على أم ٍة واِّنا على آث ِّارِّه ْم مْقتدون)(‪ ، )3‬فقولهم هذا‬
‫عين التقليد والمحاكاة يكون ضا ار ومفسدا وطريق ا لوصول المقلدين إلى‬
‫دركات النقص والهالك التي هوت إليها أسوتهم السيئة ‪.‬‬
‫ولقد عرف دعاة الشر والفساد ما للقدوة الصالحة من أثر محمود بين‬
‫الناس ‪ ،‬لذلك أخذوا يصنعون أمثلة ونماذج بشرية على طريقتهم ذات مفاهيم‬
‫وعقائد باطلة وأعمال ضالة فاسدة ومفسدة وأحاطوها باألصباغ واأللوان‬
‫الخداعة وسلطوا عليها األضواء اإلعالمية إلثارة اإلعجاب بها في نفوس‬
‫الجماهير حتى تكون أسوتهم التي يقتدون بها ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬سورة األحقاف(‪.)35‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬سورة األنعام (‪.)90‬‬
‫‪ -3‬سورة ُّ‬
‫الزخرف (‪.)23‬‬
‫‪6‬‬
‫ومن هذه األمثلة البشرية المصطنعة شخصيات ذات مذاهب هدامة وآراء‬
‫باطلة ‪ ،‬أحاطها المفسدون بعبارات التمجيد واإلكبار ليتخذها الناس أسوة لهم‬
‫يقتدون بها في آرائها وأفكارها ‪ ،‬وخير دليـل على ذلك ما يسمى بنجوم الفن‬
‫واألناقة والغناء الماجن من رجال ونساء ‪ ،‬وكذلك أصحاب المذاهب الهدامة‬
‫والديانات المنحرفة و المحرفة والملحدين وغيرهم ‪ ،‬ليكونوا أسوة للناس يقتدون‬
‫بهم في تفاهاتهم وسلوكهم المنحرف حتى أصبحت هذه األمثلة الساقطة هي‬
‫القدوة التي يقلدها عدد غير قليل من أبناء األمة‪.‬‬
‫والقدوة الحسنة تنقسم إلى قسمين ‪:‬‬
‫‪ -1‬القدوة المطلقة ‪:‬‬
‫وهي تعني االقتداء برسول هللا ‪ ‬في سائر أعماله وتصرفاته وذلك ألنه‬
‫ب ِّعث ليقتدى به ِّ‬
‫وليطاع بإذن هللا فهو ال ينطق عن الهوى وانما يوحى إليه ‪،‬‬
‫فهو معصوم من الخطأ وكذلك سائر األنبياء ‪ ،‬قال تعالى ‪(:‬وما ي ْن ِّطق ع ِّن‬
‫الهوى * ِّإ ْن هو ِّإال و ْحي يوحى)(‪.)1‬‬
‫ٌ‬
‫واالقتداء به والسير على نهجه هو النجاة الحقيقية لإلنسان في الدنيا‬
‫وا خرة ‪ ،‬فهو القدوة الحسنة في أقواله وأفعاله وسائر تصرفاته ؛ لكي يستلهم‬
‫الناس سلوكهم من هذه القدوة ‪ ،‬قال تعالى ‪(:‬لقد كان لكم ِّفي رس ِّ ِّ‬
‫ول هللا أ ْسوةٌ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫ير)(‪.)2‬‬
‫حسن ٌة لِّم ْن كان ي ْرجو هللا والي ْوم ا ِّخر وذكر هللا كِّث اا‬
‫ولقد كان رسول هللا ‪ ‬األسوة الحسنة للناس جميعا في جميع جوانب‬
‫الحياة فإذا تفكر اإلنسان في أحوال القادة والمصلحين والسياسيين فإذا برسول‬
‫هللا ‪ ‬يضرب بقيادته وصالحه أروع األمثلة في هجرته إلى المدينة واقامته‬
‫للدولة والمسجد وتأليفه بين األوس والخزرج وفي سائر غزواته ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬سورة النجم (‪.)4-3‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬سورة األحزاب(‪.)21‬‬
‫‪7‬‬
‫واذا بحث الناس في ميادين التربية وجدوا رسول هللا يتربع على عروش‬
‫المربين فإذا هو المربي الكريم والقائد والمعلم الذي ربى أصحابه الكرام على‬
‫الفضيلة والقيم العليا النبيلة‪.‬‬
‫وكان ‪ ‬واعظا ومرشدا أمينا يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وينهى عن‬
‫المنكر ‪ ،‬وكان متحلايا بمحاسن األخالق وهي التي جعلت منه أكبر قدوة‬
‫وهاديا بسلوكه الشخصي قبل‬
‫للبشرية في تاريخها الطويل ‪ ،‬بل كان ‪ ‬مر ابيا‬
‫ا‬
‫أن يكون بالكالم ‪ ،‬لهذا أمر هللا المؤمنين باتباع الرسول وطاعته ‪ ،‬وجعل هذا‬
‫من مؤشرات الحب في هللا ‪ ،‬قال تعالى ‪( :‬ق ْل ِّإ ْن ك ْنتم ت ِّحُّبون هللا فاتِّبع ِّ‬
‫وني‬
‫ْ‬
‫ي ْحِّب ْبكم هللا)(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬القدوة المقيدة ‪:‬‬
‫نعني بالقدوة المقيدة ‪ ،‬أي بما شرعه هللا ‪ ‬ألنها غير معصومة ‪ ،‬كما‬
‫هي في الصالحين واألتقياء من عباد هللا وتتمثل في االقتداء بالصحابة‬
‫والعلماء واالقتداء بالوالدين وبالمعلم في المدرسة والجامعة والسبب في ذلك‬
‫أنهم ليسوا معصومين من الخطأ فهم بشر يصيبون وي ِّ‬
‫خطئون والمسلم يقتدي‬
‫بهم عندما يصيبوا الحق ‪ ،‬ويجتنب االقتداء بهم عند مجانبتهم للصواب حيث‬
‫رغب الحق تبارك وتعالى في أن يكون اإلنسان قدوة في الخير وحذره أن‬
‫يكون قدوة في الشر ‪ ،‬قال ‪( : ‬من سن في اإلسالم سنة حسنة فله أجرها‬
‫وأجر من عمل بها من بعده من غيـر أن ينقص من أجورهم شيء ‪ ،‬ومن‬
‫سن في اإلسالم سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير‬
‫أن ينقص من أوزارهم شيء)‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬
‫التربية بالقدوة الحسنة لها أهمية كبرى في تربية الفرد وتنشئته على أساس‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬سورة آل عمران (‪.)31‬‬
‫‪ -2‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫سليم في كافة مراحل نموه ؛ ألن الناس لديهم حاجة نفسية إلى أن يتشبهوا‬
‫باألشخاص الذين يحبونهم ويقدرونهم‪ ،‬وأن هذه الحاجة تنشأ أول األمر من‬
‫خالل األطفال لوالديهم وتقمصهم لهم‪.‬‬
‫أهمية القدوة الحسنة في التربية‬
‫كيف يتعلق الطالب بأستاذه وهو يرى أستاذه يأمر بأمر ويخالفه؟! كيف‬
‫يتعلم الولد الصدق وهو يرى أباه يكذب؟! كيف تتعلم البنت الفضيلة وهي‬
‫ترى أمها مستهترة؟! إن أعظم وسائل التربية هي القدوة‪ ،‬وهي أن يرى االبن‬
‫والطالب والشاب هذه القدوة العملية تتحرك أمام عينيه وبين يديه‪.‬‬
‫عندما رأى الحسن و الحسين رضوان هللا عليهما شيخا كبي ار ال ي ِّ‬
‫حسن‬
‫الوضوء‪ ،‬لم ينتهراه‪ ،‬ولم يسخ ار منه؛ ألن هؤالء تربوا في مدرسة النبوة‪ ،‬وتربوا‬
‫في بستان األخالق‪ ،‬وتربوا في حضن المصطفى ‪ ‬فماذا فعل الحسن و‬
‫الحسين ؟ قال الحسين ‪( :‬هال أتيت لتحكم بيننا‪ ،‬ولترى من ال يحسن‬
‫الوضوء؛ فإن الحسن يتهمني أني ال أحسنه‪ ،‬وأنا أقول‪ :‬بل أنت الذي ال‬
‫تحسن الوضوء؟! فتوضأ الحسن فأتم وأكمل‪ ،‬وتوضأ الحسين فأتم وأكمل)‪.‬‬
‫فهم الرجل هذا األسلوب التربوي الفريد بالقدوة الطيبة والمثل األعلى‪،‬‬
‫فنظر إلى الحسن و الحسين وقال‪ :‬كالكما على صواب‪ ،‬وأنا المخطئ‪،‬‬
‫فجزاكم هللا عني خي ار يا آل بيت رسول هللا! فهذه هي القدوة الطيبة‪ ،‬والمثل‬
‫األعلى‪.‬‬
‫أعظم وسيلة من وسائل التربية‪ :‬القدوة‪ ،‬أن يرى الشباب قدوته تتحرك أمام‬
‫عينيه وبين يديه‪ ،‬ونتخيل لو أننا في مصلحة من المصالح الحكومية‪ ،‬ورزق‬
‫هللا هذه المصلحة بقائد تقي مؤمن‪ ،‬فإذا ما استمع إلى أذان الظهر قام من‬
‫مكتبه على الفور ليجدد وضوءه‪ ،‬ثم نزل إلى مكان قد أعده للصالة ليصلي؛‬
‫فماذا ستكون النتيجة؟ إذا كان هذا هو رئيس المصلحة فهل سيتخلف عن‬
‫‪9‬‬
‫الصالة موظف في هذا المكان؟‬
‫بالطبع ال يمكن؛ ألن الرجل األعلى في هذا المكان قام بالقدوة الطيبة؛‬
‫ليعلمهم أنه إذا حان وقت الصالة فعلى الجميع أن يترك كل أعمال الدنيا‬
‫ليضع أنفه وجبينه في التراب ذالا لخالقه ورازقه جل وعال‪.‬‬
‫الرسول ‪ ‬لما أمر الصحابة باإلنفاق كان أجود بالخير من الريح‬
‫المرسلة‪ ،‬فعن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال ‪ :‬ما سئل رسول هللا ‪ ‬على‬
‫غنما بين جبيلين ‪ ،‬فرجع‬
‫اإلسالم ا‬
‫شيئا إال أعطاه ‪ ،‬ولقد جاءه رجل فأعطاه ا‬
‫إلى قومه فقال‪ :‬يا قوم أسلموا؛ فإن محمدا يعطي عطاء من ال يخشى الفقر‬
‫)(‪.)1‬‬
‫عندما يأتي طالب العلم الصغير فيرى أحد شيوخه يتعامل مع أحد الدعاة‬
‫بمنتهى التواضع واإلجالل واألدب؛ سيتعلم بالقدوة أنه هكذا ينبغي أن يكون‬
‫التعامل بين أهل العلم وأهل الفضل‪ ،‬واذا رأى أستاذه وشيخه يجل رجالا كبي ار‬
‫ًّ‬
‫مسنا فسيتعلم بالقدوة كيف يكون اإلجالل ألصحاب الشيبة في اإلسالم‪،‬‬
‫وهكذا ‪.‬‬
‫أروي قصة حكاها أحد الدعاة ‪ ،‬وهي أن إنسانا سافر إلى بالد الغرب ‪،‬‬
‫فتاة تعلق بها أشد التعلق ‪ ،‬فاستأذن والده أن يتزوجها ‪ ،‬فكان الجواب‬
‫ورأى ا‬
‫قاسيا جدا إن تزوجتها فلست ابني ‪ ،‬ثم خطر في بال هذا الشاب الذي تعلق‬
‫بهذه الفتاة تعلقا شديدا أن يغير رأي والده ‪ ،‬يا ِّ‬
‫أبت لو أنها أسلمت أتسمح لي‬
‫بالزواج منها ؟ قال له ‪ :‬أسمح لك ‪ ،‬فأخبرها أن العقبة الوحيدة في الزواج أن‬
‫تسلمي ‪ ،‬سألته ‪ :‬كيف أسلم ؟ اشترى لها كتبا باللغة األجنبية عن اإلسالم‬
‫والقرآن ورسول هللا والسيرة وما إلى ذلك ‪ ،‬كتب عديدة ‪ ،‬ودفعها إليها ‪ ،‬فكانت‬
‫‪ - 1‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫الفتاة ذكية جدا اشترطت عليه أن تبتعد عنه أربعة أشهر كي تستوعب هذه‬
‫الكتب ‪ ،‬وكي تقرأها بعيدا عن ضغوطه ‪ ،‬فحصل فراق أربعة أشهر ‪ ،‬هذا‬
‫الشاب كان يعد هذه المدة ال باألشهر وال باألسابيع وال باأليام وال بالساعات‬
‫وال بالدقائق بل بالثواني إلى أن مضت هذه األشهر األربعة فالتقى بها ‪،‬‬
‫وكان الخبر الذي أفقده توازنه حيث قالت له‪ :‬إنني أسلمت واإلسالم حق‬
‫لكنني لن أتزوجك ألنك لست مسلم ا ؛ ذلك ألنه لم يظهر جمال في سلوكه‬
‫وتعامالته‪.‬‬
‫وتبرز أهمية أسلوب ( القدوة الحسنة ) من عدة أمور ‪ ,‬منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬جعل هللا عز وجل لعباده أسوة عملية في الرسل والصالحين من عباده ‪،‬‬
‫وعدم اكتفائه بإنزال الكتب عليهم ‪ ،‬فأرسل الرسل ‪ ،‬وقص على المؤمنين‬
‫قصصهم وعرض سيرتهم ثم أمر باتباعهم ‪ ،‬واالقتداء بهم ‪ ،‬فقال سبحانه‬
‫وتعالى‪(:‬أولئك الذين هدى هللا ‪ ،‬فبهداهم اقتده )‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬وقال تعالى ‪ ( :‬قد‬
‫كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه) (‪ ،)2‬و قال عز وجل ‪ ( :‬لقد‬
‫كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو هللا واليوم ا خر )(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬إن من طبيعة البشر وفطرتهم التي فطرهم هللا عليها أن يتأثروا بالمحاكاة‬
‫والقدوة ‪ ،‬أكثر مما يتأثرون بالق ارءة والسماع ‪ ،‬وال سيما في األمور العملية ‪،‬‬
‫ومواقف الشدة وغيرها ‪ ...‬وهذا التأثير فطري ال شعوري في كثير من‬
‫األحيان ‪ ،‬وهذا ال يعني أنه ليس هناك من يتأثر بالقراءة والسماع أكثر مما‬
‫يتأثر بالمحاكاة والقدوة ‪ ،‬إنما هو حاصل ولكن بصورة أقل‪.‬‬
‫‪ -3‬إن أثر القدوة عام يشمل جميع الناس على مختلف مستوياتهم ‪ ،‬حتى‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬سورة األنعام (‪.)90‬‬
‫‪ -2‬سورة الممتحنة (‪.)4‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬سورة الممتحنة (‪.)6‬‬
‫‪11‬‬
‫األمي منهم ‪ ،‬فبإمكان كل امرئ أن يحاكي فعل غيره ‪ ،‬ويقلده ولو لم يفهمه ؛‬
‫فهو في جميع أحواله قدوة حتى وهو نائم وتتناقل سيرته الناس على مر‬
‫الزمان‪.‬‬
‫‪ -4‬من أقوى األساليب لتحويل السلوك تأثير القدوة فهو غير محدود بزمان‬
‫وال مكان‪.‬‬
‫من هنا ‪ :‬كان فضل الصحبة للصحابة الكرام رضوان هللا عليهم ال‬
‫عظيما على من يخالف قوله عمله ‪ ،‬قال تعالى‬
‫يعدله شيء ‪ ،‬وكان إنكار هللا‬
‫ا‬
‫‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ال تفعلون * كبر مقتاا عند هللا أن تقولوا‬
‫ما ال تفعلون ) (‪.)1‬‬
‫وألهمية القدوة في بناء الفرد واعداده فقد أكد الق ارن الكريم أهمية القدوة في‬
‫تقرير مصير اإلنسان تأكيدا قويا وهو يدعو المسلمين إلى أن يدرسوا سيرة‬
‫الرسول عليه الصالة والسالم فيتخذونها قدوة لهم‪.‬‬
‫ومن هنا كانت القدوة عامال كبي ار في صالح األجيال أو فسادهم ‪ ،‬فالولد‬
‫الذي يرى والده يترك الصالة يصعب عليه اعتيادها‪ ،‬والذي يرى والده يكذب‬
‫ويصعب عليه تعلم الصدق والذي يرى والده يغش يصعب عليه تعلم األمانة‪،‬‬
‫فاألب الذي يصبح كذابا ويخدع غيره بكذبه وخداعه فإن أبناءه وتالمذته‬
‫ومعاشريه يقلدونه‪ ،‬ويتعلمون منه الكذب ووسائل الخداع‪ ،‬ويحاكونه في ذلك‬
‫ويبادلونه كذبا بكذب ‪ ،‬وخداعا بخداع ؛ أي أن ما يكتسبه الفرد من عادات‬
‫مرغوب فيها‪ ،‬أو غير مرغوب فيها يتوقف على نوع القدوة التي تعرض له‬
‫أثناء اندماجه وتفاعله مع أسرته و مجتمعه‪ ،‬ثم بعد ذلك يأتي دور العقل‬
‫الذي ينتقي ويقتدي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬سورة الصف (‪.)3،2‬‬
‫‪12‬‬
‫والمتأمل في تعاليم اإلسالم يجد التوجيهات الحكيمة لآلباء و األمهات‬
‫حيال استخدام أسلوب القدوة في تربية األوالد‪ ،‬من هذه التوجيهات على سبيل‬
‫المثال بدء الولدين في إصالح أنفسهم أوال ‪ ،‬وأن يطهروا أنفسهم ؛ ألن فاقد‬
‫الشيء ال يعطيه ‪ ،‬وأن يكونوا على درجة جيدة من االستقامة‪ ،‬ألنه بصالحهم‬
‫يصلح األوالد‪ ،‬قال تعالى‪ }:‬يا أيها الذين امنوا قوا أنفسكم وأهليكم نا ار { (‪.)1‬‬
‫فصالح رب األسرة ينتقل إلى األوالد عن طريق االقتداء به‪ ،‬وتقليد معظم‬
‫أعماله الصالحة من خالل تعايشهم مع والدهم‪ ،‬وبذلك تكون وقاية أنفسهم‬
‫وأهليهم من النار‪ .‬وصدق قول الشاعر‪:‬‬
‫ي ـا أيه ـ ـ ـ ـا الرجـ ـ ـ ـل اْلمعلِّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم غ ْي ـ ـ ـ ـ ـره *** هال لِّنْف ِّسك كان ذا الت ْعلِّيـ ـم‬
‫ام وِّذي الضنى*** كيما ي ِّ‬
‫صف الدواء لِّ ِّذي ِّ‬
‫ت ِّ‬
‫صح ِّب ِّه وأ ْنت س ِّقيـ ـ ـم‬
‫السق ِّ‬
‫ْ‬
‫ْابدْأ ِّبنْف ِّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ف ْانهها ع ْن غِّيه ـ ـ ـا *** فِّإذا ْانته ْت ع ْنه فأ ْنت ح ِّكيم‬
‫ظت ويْقت ـدى *** ِّباْلق ْو ِّل ِّم ْنك ويحصل التسليم‬
‫إن وع ْ‬
‫فهن ـ ـاك ت ْع ـذر ْ‬
‫ال ت ْن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ع ْن خلـ ـ ـ ٍق وتأِّْتي ِّم ْثل ـ ـ ـ ـه *** ع ٌار عل ْيك إذا فعْلت ع ِّظي ـ ـم‬
‫إن التربية بالقدوة من أهم وأخطر وسائل التربية‪ ،‬واننا نرى ا ن كثي ار من‬
‫كبير ورهيبا؛ فهو ال يرى قدوة‬
‫شباب األمة يتخبط في حيرة‪ ،‬يرى انفصاما اا‬
‫عملية أو تكون القدوة موجودة ولكنها بعيدة عنه ‪ ،‬وهنا يعيش كثير من شبابنا‬
‫في هذا الصراع النفسي القاتل‪ ،‬لماذا؟ ألنه يسمع كالما ككالم جحا الذي‬
‫صنع يوما ساقية على النهر‪ ،‬تأخذ الماء من النهر فترد نفس الماء إلى نفس‬
‫النهر‪ ،‬فتعجب الناس وقالوا‪ :‬عجب ا لك يا جحا ! تصنع ساقية تأخذ الماء من‬
‫النهر لترد نفس الماء إلى نفس النهر‪ ،‬فقال‪ :‬جحا ‪ :‬يكفيني نعيرها‪ ،‬وهذا هو‬
‫الواقع‪ ،‬يكفينا أننا نسمع هذا الصياح‪ ،‬فهذا الصراع النفسي الذي يعيشه كثير‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬سورة التحريم(‪.)6‬‬
‫‪13‬‬
‫من شباب األمة إنما هو نتيجة حتمية لهذا األمر ‪ ،‬ورحم هللا من قال‪:‬‬
‫مشى الطاووس يوما باختيال *** فقلد شكل مشيته بنوه‬
‫فقال عالم تختالون؟ قالوا *** ب ـ ـدأت به ونحـ ـ ـن مقلـ ـ ـ ـدوه‬
‫فخالف سيرك المعوج واعدل *** فإنا إن عدلت معـدلـ ـوه‬
‫أم ـا تدري أبـ ـانا ك ـل ف ـ ـرع *** يجاري بالخطى م ْن أدب ـوه‬
‫وينش ـ ـأ ناشئ الفتيـان منـا *** على ما كان عوده أبـ ـ ـوه‬
‫فهذه الفجوة الكبيرة بين الجانب النظري والجانب العملي أو المثل الحي ال بد‬
‫من القضاء عليها ؛ حتى ننجح في تربيتنا ونفوز في الدارين حيث قال‬
‫تعالى‪:‬ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮪ ﮭ ﮮ‬
‫ﭼ( ‪.)1‬‬
‫فعن عبد الرزاق عن معمر‪،‬‬
‫عن قتادة قال في تفسير هذه ا ية ‪ :‬كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة‬
‫هللا وبتقواه ‪ ،‬وبالبر ‪ ،‬ويخالفون ‪ ،‬فعيرهم هللا ‪ ،‬عز وجل(‪.)2‬‬
‫محمد ‪ ‬هو المعلم األول والقدوة المثلى‬
‫ِّ‬
‫ليحول هذا المنهج‬
‫ومن هنا أرسل هللا القدوة والمثل للعالمين جميعا؛‬
‫الرباني إلى واقع عملي ؛ وذلك ألن هللا جل وعال يعلم أن المنهج التربوي ال‬
‫يمكن‬
‫{ لق ْد‬
‫وذكر‬
‫أن يتحول في دنيا الناس إلى واقع عملي إال بالقدوة ‪ ،‬فقال جل وعال‪:‬‬
‫كان لكم ِّفي رس ِّ‬
‫ول ّللاِّ أ ْسوةٌ حسن ٌة لِّم ْن كان ي ْرجو ّللا واْلي ْوم ا ِّخر‬
‫ْ‬
‫ير }(‪.)3‬‬
‫ّللا كِّث اا‬
‫ِّ‬
‫ليحول المنهج‬
‫ولذا بعث هللا محمدا ‪ ‬القدوة الطيبة والمثل األعلى‬
‫النظري إلى منهج حياة ‪ ،‬فأدبه ربه وزكاه في كل شيء‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬سورة البقرة (‪.) 44‬‬
‫‪ - 2‬تفسير ابن كثير‪.‬‬
‫‪ -3‬سورة األحزاب(‪.)21‬‬
‫‪14‬‬
‫فزكاه ربه في عقله فقال سبحانه‪ { :‬ما ضل ص ِّ‬
‫احبك ْم وما غوى }(‪.)1‬‬
‫وزكاه ربه في فؤاده ورؤيته القلبية فقال سبحانه‪ { :‬ما كذب اْلفؤاد ما أرى }(‪.)2‬‬
‫وزكاه في بصره ورؤيته البصرية فقال سبحانه‪{:‬ما زاغ اْلبصر وما طغى }(‪.)3‬‬
‫وزكاه‬
‫وزكاه‬
‫وزكاه‬
‫وزكاه‬
‫في صدره فقال سبحانه‪ { :‬أل ْم ن ْشرْح لك ص ْدرك }(‪.)4‬‬
‫سبحانه في ِّذ ِّ‬
‫كره وعلو شأنه ‪ ،‬فقال‪ { :‬ورف ْعنا لك ِّذ ْكرك }(‪.)5‬‬
‫في طهره فقال‪ { :‬ووض ْعنا عنك ِّوْزرك }(‪.)6‬‬
‫ِّ‬
‫ِّ ِّ‬
‫ِّ‬
‫يم }(‪.)7‬‬
‫في حلمه فقال‪ِّ { :‬باْلم ْؤ ِّمنين رء ٌ‬
‫وف رح ٌ‬
‫وزكاه في ِّع ِّ‬
‫لمه فقال‪ { :‬علمه ش ِّديد اْلقوى }(‪.)8‬‬
‫وزكاه في ِّ‬
‫ص ِّ‬
‫دقه فقال‪ { :‬وما ي ْن ِّطق ع ِّن اْلهوى }(‪.)9‬‬
‫وزكاه كله وقال‪ { :‬واِّنك لعلى خل ٍق ع ِّظي ٍم }(‪.)10‬‬
‫وعن عائشة رضي هللا عنها أنها سئلت عن خلق النبي ‪ ، ‬فقالت ‪:‬‬
‫كان خلقه القرآن(‪ .)11‬فمحمد ‪ ‬أعظم قدوة ؛ ولذا يجب علينا أن نأخذ القدوة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬سورة النجم(‪.)2‬‬
‫‪ -‬سورة النجم(‪.)11‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬سورة النجم(‪.)17‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬سورة الشرح (‪.)4‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬سورة الشرح(‪.)1‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬سورة الشرح(‪.)2‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ -‬سورة النجم(‪.)5‬‬
‫‪7‬‬
‫‪9‬‬
‫ سورة التوبة(‪.)128‬‬‫‪ -‬سورة النجم(‪.)3‬‬
‫‪ - 10‬سورة القلم (‪.)4‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ -‬رواه مسلم في األدب المفرد‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫هذه مثالا أعلى‪ ،‬فرسول هللا ‪ ‬قدوتنا‪ ،‬رجل وشخصية جمع هللا جل وعال‬
‫فيها شخصيات كثيرة في آن واحد‪ ،‬فهو رسول هللا ‪ ،‬فهو رجل سياسة من‬
‫الطراز األول‪ ،‬يبني دولة وأمة من الفتات المتناثر‪ ،‬فإذا هي بناء ال يطاوله‬
‫بناء في فترة زمنية قليلة يعجز غيره أن يفعل ذلك‪.‬‬
‫صور ومالمح القدوة في شخصية الرسول ‪:‬‬
‫يطول بنا األمر جدا لو حاولنا استقصاء المواقف التي كان فيها الرسول‬
‫قدوة ألصحابه‪ ،‬وانما يمكن القول إجماالا بأن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫‪ ‬ا‬
‫وسلم كان قدوة ألصحابه في كل شيء‪ ،‬وفي جميع المجاالت ‪ ،‬وهذه بعض‬
‫مالمح و صور القدوة التي نقتدي بها من حياة معلم البشرية ‪:‬‬
‫‪ ‬في بيت النبي ‪:‬‬
‫قدوة في حياته األبوية فهو أب وزوج ‪ ،‬ورب أسرة كبيرة تحتاج‬
‫كان ‪ ‬ا‬
‫كثي ار من النفقات ‪ ،‬نفقات الوقت ‪ ،‬ونفقات الجهد ‪ ،‬ونفقات الشعور باألمانة ‪،‬‬
‫ونفقات الفكر ‪ ،‬ونفقات العقل ‪ ،‬ونفقات التربية ‪ ،‬ونفقات التوجيه ‪ ،‬فضالا عن‬
‫قدوة في حياته‬
‫نفقات المادة ‪ ،‬فقام الحبيب بهذا الدور خير قيام ‪ ،‬فكان ا‬
‫ِّ‬
‫الزوجية‪ ،‬و ِّ‬
‫توجيه ِّهن‪ ،‬فقال ‪(: ‬خ ْيركم خ ْيركم‬
‫الصبر على أهله‪ ،‬وحسن‬
‫ألهلِّ ِّه‪ ،‬وأنا خ ْيركم أل ْهلِّي)(‪.)1‬‬
‫ْ‬
‫‪ ‬في إنسانيته ‪:‬‬
‫وهو رجل إنساني من الطراز األول‪ ،‬تشغله هموم الناس‪ ،‬وتمأل نفسه‬
‫مشاعرهم وآالمهم وأحزانهم‪ ،‬فيمنحهم من وقته وفكره وعقله وجهده‪ ،‬بل ومن‬
‫ماله وتربيته و توجيهه كأنه رجل قلبه قلب إنسان قد شغلته في هذه الدنيا‬
‫هموم الناس فحسب على الرغم من ِّعظم هموم رسالته‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬سنن الترمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫وهو قدوة في حسن معاملة ا ِّ‬
‫لصغار‪ ،‬واألصحاب‪ ،‬والجيران‪ ،‬وكان يسعى‬
‫ائج المسلمين‪ ،‬وكان أوفى الناس بالوعد‪ ،‬وأشدهم ائتمانا على‬
‫في قضاء حو ِّ‬
‫الودائع‪ ،‬وأكثرهم ورعا وحذ ار من أكل مال الصدقة‪ ،‬أو االقتراب مما استرعاه‬
‫هللا من أموال المسلمين‪.‬‬
‫‪ ‬في عبادته ودعوته ‪:‬‬
‫وهو رجل عابد خاشع خاضع أواب‪ ،‬وكأنه رجل تفرغ للعبادة فقط ال‬
‫يشغله هم من هموم الدنيا‪ ،‬وال تؤثر فيه شهوة من شهواتها أو نزوة من‬
‫نزواتها‪ .‬فقد أمر النبي ‪ ‬أصحابه بالعبادة فتورمت قدماه من العبادة فروي‬
‫عنه أنه قام صلى هللا عليه و سلم حتى تورمت قدماه فقيل له غفر هللا لك ما‬
‫تقدم من ذنبك وما تأخر قال ( أفال أكون عبدا شكو ار )(‪ ،)1‬فال تقل البنك‪:‬‬
‫صل ‪ ،‬وأنت جالس في البيت‪ ،‬وال تقل البنك‪ :‬ال تدخن‪ ،‬وأنت تدخن في‬
‫وجهه كل ليلة‪ ،‬أين القدوة؟ حتى لو امتثل الولد سيمتثل بخلل‪ ،‬وبدون اتزان‬
‫وتوافق‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫ِّ‬
‫الناجمة عن كيد‬
‫الشدائد‬
‫داعية إلى هللا سبحانه يصبر على‬
‫وكان أفضل‬
‫أعداء هللا وأعداء الفضيلة وتواطئهم‪ ،‬وكان حازم ا ال يفقد حزمه في ِّ‬
‫أشد‬
‫المو ِّ‬
‫اقف هوالا وجزعا؛ ألن ملجأه إلى هللا سبحانه وتعالى يستْل ِّهم منه القوة‬
‫ِّ‬
‫والصبر‪ ،‬وموقفه من ٍ‬
‫الطائف عندما ذهب لدعوتهم خير دليل على‬
‫ثقيف في‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬في جوده وكرمه ‪:‬‬
‫فهذا النبي الكريم ‪ ‬هو القدوة في الجود أمرهم باإلنفاق والبذل والعطاء‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫فكان أجود بالخير من الريح المرسلة‪ ،‬فقد ورد في صحيح مسلم من حديث‬
‫أنس رضي هللا عنه أنه قال‪( :‬ما سئل رسول هللا صلى هللا عليه و سلم على‬
‫اإلسالم شيئا إال أعطاه قال فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى‬
‫قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من ال يخشى الفاقة)(‪.)1‬‬
‫‪ ‬في تواضعه ‪:‬‬
‫قد أمر النبي ‪ ‬الصحابة رضوان هللا عليهم بالحلم والرحمة والتواضع‬
‫فكان سيد هذه الصفات ‪ ،‬واحتل ذروة سنامها فيكفي أن نقف مع هذا المشهد‬
‫الحي‪ ،‬مع حديث صحيح رواه ابن ماجة والحاكم وغيرهما‪ ( :‬أن أعرابي ا دخل‬
‫على النبي ‪ ‬يوما فارتعدت فرائصه واضطربت جوارحه ‪ ،‬فماذا قال له‬
‫الحبيب؟ فقال له‪ِّ :‬‬
‫هون عليك فإني لست بملك‪ ،‬إنما أنا ابن امرأة من قريش‬
‫كانت تأكل القديد في مكة )(‪ )2‬فنحن ا ن في أمس الحاجة إلى أن نتواضع‬
‫مع الناس ‪ ،‬وقد قال ‪ ( : ‬ما نقص ْت صدق ٌة ِّم ْن م ٍ‬
‫ال وما زاد ّللا ع ْب ادا ِّبعْف ٍو‬
‫ِّإال ِّع ًّاز وما تواضع أحٌد ِّّلِلِّ ِّإال رفعه ّللا)(‪.)3‬‬
‫فإذا من هللا عليك بالعلم أو المعرفة أو المال أو الصحة أو أي خير‬
‫فتواضع ليرفعك هللا ‪ ،‬ليزيدك هللا جل وعال ‪ ،‬فمن تواضع هلل رفعه‪ ،‬ال تتعال‬
‫على إخوانك وأحبائك و طالبك و زمالئك وجيرانك وفقراء الناس ‪ ،‬فتذكر‬
‫فضل هللا عليك ونعمة هللا عليك‪ ،‬فإذا تخلى هللا عنك برحمته طرفة عين‬
‫لهلكت‪ ،‬م ْن أنت حتى تغتر بما حباك هللا إياه ِّم ْن النعم؟ م ْن أنت حتى تغتر‬
‫بمالك؟ م ْن أنت حتى تغتر بجاهك؟ أنت ال شيء بدون ستر هللا وفضله‬
‫‪1‬‬
‫‪ ( -‬فأعطاه غنما بين جبلين ) أي كثيرة كأنها تمأل ما بين جبلين‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬صحيح مسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬رواه الحاكم في المستدرك وابن ماجه في سننه وابن سعد في الطبقات‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫ورحمته ‪ ،‬فكنت ضاالا فهداك‪ ،‬وكنت وضيع ا فرفعك‪ ،‬وكنت فقي ار فأغناك‪،‬‬
‫وكنت ذليالا فأعزك‪ ،‬فاعرف فضل هللا عليك‪ ،‬فلو تخلى هللا عنك طرفة عين‬
‫لكنت بمثابة الشاة التي تنهشها الذئاب من كل ناحية ‪ ،‬يقول تعالى‪ { :‬يمُّنون‬
‫عل ْيك أ ْن أ ْسلموا ق ْل ال تمُّنوا علي ِّإ ْسالمك ْم ب ِّل ّللا يم ُّن عل ْيك ْم أ ْن هداك ْم‬
‫لِّ ِّ‬
‫إليم ِّ‬
‫ان ِّإ ْن كنت ْم ص ِّاد ِّقين } (‪.)1‬‬
‫‪ ‬في حربه ‪:‬‬
‫هو رجل حرب من الطراز األول‪ ،‬يقود الجيوش‪ ،‬ويضع الخطط‪ ،‬ويقف‬
‫في غرفة العمليات ليوجه الجند والصف من مركز القيادة ‪ ،‬بل إذا حمي‬
‫الوطيس واشتدت المعركة وصمتت األلسنة الطويلة ‪ ،‬كان الحبيب في مقدمة‬
‫الصفوف ‪ ،‬ولما انتشرت شائعة قتله فإذا به يعلن بأعلى صوته للجمع‬
‫ويقول‪ (:‬أنا النبي ال كذب‪ ،‬أنا ابن عبد المطلب )(‪.)2‬‬
‫وفي الغزوات يتقدم الصحابة ‪ ،‬وكان في غزوة الخندق يربط الحجر على‬
‫بطنه الشريفة! ويحفر الخندق مع الصحابة ‪ ،‬ويرتجز مثل ما يرتجزون ‪،‬‬
‫فكان مثاالا للمربِّي القدوة ‪ ،‬يتبعه الناس‪ ،‬ويعجبون بشجاعته وصبره ‪.‬‬
‫‪ ‬في تنفيذه ألوامر هللا تعالى‪:‬‬
‫كانت عادة التبِّني متأ ِّ‬
‫صل اة بين العرب قبل اإلسالم‪ ،‬وكانوا يعاملون االبن‬
‫فيحرمون الزواج من امرِّأت ِّه‪ ،‬وي ِّ‬
‫الص ِّ‬
‫لب؛ ِّ‬
‫عظمون هذا‬
‫بالتبني معاملة االبن من ُّ‬
‫األمر جدا‪ ،‬فلما جاء اإلسالم وحرم التبِّني‪ ،‬وأراد اقتالع آثار الجاهلية من‬
‫ِّ‬
‫يكتف في ذلك بالدعوة النظرية لتحريم التبني وهدم آثاره‬
‫نفوس المسلمين ‪ ،‬لم‬
‫بل دعم تلك الدعوة النظرية بالتطبيق العملي ‪ ،‬فأمر هللا تعالى رسوله ‪‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬سورة الحجرات (‪.)17‬‬
‫‪ - 2‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫بالتزوج من زينب ِّ‬
‫بنت جحش رضوان هللا عليها التي كانت زوج اة لز ِّيد بن‬
‫حارثة ‪ ،‬الذي تبناه الرسول ‪ ‬وكان ي ْدعى زيد بن محمد ‪ ،‬قال تعالى‪( :‬فلما‬
‫اج‬
‫قضى زْيٌد ِّم ْنها وط اار زو ْجناكها لِّكي ال يكون على اْلم ْؤ ِّمِّنين حرٌج ِّفي أ ْزو ِّ‬
‫أ ْد ِّعي ِّائ ِّه ْم ِّإذا قض ْوا ِّم ْنهن وط اار وكان أ ْمر ّللاِّ مْفعوالا) (‪.)1‬‬
‫ِّ‬
‫الجاهلية ِّ‬
‫النبي ‪‬‬
‫وهكذا أجرى هللا عز وجل إبطال ا ثار‬
‫للتبني "على يد ِّ‬
‫ومواله ز ِّيد بن حارثة‪ ،‬و ِّ‬
‫ابنة عمته زينب بنت جحش؛ ليكون درس ا عملي ا قوي ا‪،‬‬
‫في تحقيق ما أمر هللا تعالى به ‪ ،‬وتنفيذه ‪ ،‬مهما كانت الرغبة والهوى ‪،‬‬
‫ومهما كانت ا ثار والنتائج‪.‬‬
‫وهذا شأن المؤمن دائما مع هللاِّ تعالى وأو ِّ‬
‫امرِّه ‪ ،‬يسمع ويطيع ‪ ،‬ويلبي‬
‫ويستجيب ‪ ،‬رِّغب ْت نفسه في ذلك أم لم ت ْرغ ْب‪ ،‬وافق المجتمع ِّمن حولِّه أم لم‬
‫يو ِّافق ‪ ،‬رضي الناس عن فعله أم كرهوا ‪ ،‬فاألمر أوالا وأخي ار هلل رب العالمين‪.‬‬
‫حال الصحابة مع االمتثال و التطبيق العملي لقدوتهم‬
‫أما حال الصحابة رضوان هللا عليهم فلم يأمرهم النبي ‪ ‬بأمر إال وكانوا‬
‫أول الممتثلين له‪ ،‬وما نهاهم عن شيء إال وكانوا أول المجتنبين له ‪ ،‬وما حد‬
‫لهم ًّ‬
‫حدا إال وكانوا أول الواقفين عند هذا الحد ‪ ،‬فمن هذه المواقف التي تجسد‬
‫إسراع الصحابة للتطبيق العملي لقدوتهم ‪ ‬نختار الموقف التالي‪:‬‬
‫ُّ‬
‫‪َّ ‬‬
‫الح َدِي ِبَي ِة‪:‬‬
‫الحْلق‬
‫للتحلل من ُع ْمَرِة ُ‬
‫الن ْحر و َ‬
‫لما صد المشركون الرسول ‪ ‬وأصحابه عن البيت الحرام ‪ ،‬حين أرادوا‬
‫العمرة عام الحديبية‪ ،‬وبعد إبرام الصلح مع قريش ‪ ،‬كان وقع ذلك عظيم ا‬
‫على صحابة رسول هللا ‪ ‬فلما أمرهم عليه السالم بنحر ما معهم من اله ْدي‬
‫لي ِّحُّلوا من إحرامهم ‪ ،‬لم يستجب أحد من الصحابة لهذا األمر‪ ،‬مع ِّ‬
‫شدة‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬سورة األحزاب (‪.)37‬‬
‫‪20‬‬
‫ِّ‬
‫طاعته ‪. ،‬‬
‫حرصهم على‬
‫وهنا يتجلى األثر العظيم للقدوة ؛ إذ أشارت ُّأم سلمة رضوان هللا عليها‬
‫على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن يقوم هو أوالا فينحر بدنة ويحلق‬
‫شعره؛ ألن صحابته سيقتدون به عند ذلك ال محالة‪ ،‬فقام رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم "فخرج‪ ،‬فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك‪ ،‬نحر بدنة ‪ ،‬ودعا‬
‫حالقه فحلقه‪ ،‬فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا‪ ،‬وجعل بعضهم يحلق بعض ا‪.‬‬
‫ففي هذه القصة داللة ظاهرة على التفاوت الكبير بين تأثير القول وتأثير‬
‫الفعل ‪ ،‬ففي حين لم يتغلب القول على هموم الصحابة ُّ‬
‫وتأل ِّمهم مما حدث ‪،‬‬
‫اقتداء بالرسول ‪ ‬حين تحول‬
‫فلم ينصاعوا لألمر‪ ،‬نجدهم بادروا إلى التنفيذ؛‬
‫ا‬
‫أمره القولي إلى تطبيق عملي ‪ ،‬حتى كاد يقتل بعضهم بعض ا من شدة‬
‫المسارعة إلى فعل ما فعله النبي ‪‬؛ ولهذا يدعو اإلسالم إلى دعم القول‬
‫بالعمل‪ ،‬ومطابقة األفعال لألقوال مع االلتزام الكامل بقول النبي‪. ‬‬
‫ومن هنا تعلقت القلوب برسول هللا صلى هللا عليه وسلم؛ ألنه قال وفعل‪،‬‬
‫وقدم القدوة العملية المشرقة في أروع وأجل صورها ‪ ،‬فأعظم سبب لتعلق‬
‫القلوب بالقدوة ‪ ،‬أن يرى الناس في القدوة النموذج الحي لكل ما يقول‪.‬‬
‫إن قدوتنا وأسوتنا هو رسول ‪ ، ‬وعندما قدم اإلسالم هذه القدوة فإنه لم‬
‫يقدمها لجيل الصحابة فحسب ‪ ،‬وانما قدم اإلسالم هذه القدوة لتظل خالدة‬
‫على مر األجيال والقرون‪ ،‬ولم يقدمها اإلسالم لتكون قدوة باهتة ليتعامل‬
‫الناس معها تعامالا نظري ا بحت ا ‪ ،‬وانما ليحول الناس هذه القدوة مرة أخرى في‬
‫حياتهم إلى منهج حياة‪ ،‬والى واقع متحرك مرئي ومسموع ومنظور كما قال‬
‫تعالى‪{:‬لق ْد كان لكم ِّفي رس ِّ‬
‫ول ّللاِّ أ ْسوةٌ حسن ٌة لِّم ْن كان ي ْرجو ّللا واْلي ْوم ا ِّخر‬
‫ْ‬
‫‪21‬‬
‫ير }(‪.)1‬‬
‫وذكر ّللا كِّث اا‬
‫فيا أيها المسلم! يا أيها األستاذ! يا أيها المربي! يا أيها األب الكريم! يا‬
‫أيتها األم الفاضلة! يا من حملك هللا أمانة التربية‪ ،‬وأمانة التوجيه‪ ،‬وأمانة‬
‫الكلمة ‪ ،‬فالتربية بالقدوة الحسنة من أعظم وسائل التربية حين تترجم إلى واقع‬
‫عملي مشاهد‪ ،‬كما كان حال المعلم األول والمربي العظيم عليه الصالة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫شروط تطبيق أسلوب الموعظة الحسنة‬
‫‪ -1‬األسلوب الرقيق الذي يستميل قلوب الناشئين أثناء النصيحة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تقترن الموعظة بالشعور بالمحبة والعطف عليهم‪.‬‬
‫‪ -3‬يختار لها الوقت المناسب الذي تكون النفوس فيه هادئة‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم التطويل الممل في الموعظة أو التكرار الزائد‪.‬‬
‫‪ -5‬المبادرة بالموعظة عندما يلحظون انحرافا في سلوك األوالد‪.‬‬
‫‪ -6‬عليهم أن يبادروا بالوعظ مراعين األهم فالمهم فإذا كان هناك واجبان‬
‫أحدهما فرض عين واألخر فرض كفاية مثالا ففي هذه الحالة يوعظ‬
‫األوالد بالواجب األول ثم الثاني‪.‬‬
‫الخالصة‬
‫إنه من اليسير جدا أن نق ِّدم منهج ا نظري ا في التربية‪ ،‬فمن السهل أن‬
‫يجلس ٍ‬
‫مفكر ليضع منهجا تربويا نظريا غاية في اإلتقان‬
‫مرب أو مبدعٌ أو ٌ‬
‫واإلبداع‪ ،‬ولكن هذا المنهج يظل حب ار على ورق ال قيمة له على اإلطالق ما‬
‫لم يتحول في حياة الناس إلى واقع يتحرك‪.‬‬
‫فالمنهج النظري ليس له قيمة إال إذا تحول في حياة الناس إلى منهج‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬سورة األحزاب(‪.)21‬‬
‫‪22‬‬
‫عملي‪ ،‬فنحن نتغنى بالصدق‪ ،‬ولكن ندر الصادقون! ونتغنى باألمانة‪ ،‬ولكن‬
‫قل أهل األمانة! ونسعد بالوفاء بالعهد والوعد‪ ،‬ولكن ندر الموفون بوعودهم‬
‫وعهودهم! وهكذا ‪.‬‬
‫فالمنهج النظري حتى وان كان رائعا جميالا يظل حب ار على ورق ما لم‬
‫يتحول إلى واقع يتحرك في دنيا الناس‪.‬‬
‫ولذلك لما شرع هللا جل وعال هذا المنهج التربوي المعجز فهو يعلم وهو‬
‫العليم الخبير أنه البد لكي يتحول هذا المنهج التربوي في حياة الناس إلى‬
‫واقع أنه البد للناس من قدوة تتحرك بهذا المنهج في دنيا الناس‪ ،‬فيعي الناس‬
‫أن هذا المنهج حق؛ ألنهم رأوه بأعينهم واقعا يتحرك في دنياهم‪ ،‬ومن ثم بعث‬
‫هللا أعظم قدوة وأطهر مثل محمدا ‪ ‬؛ لتتحرك هذه القدوة وليتحرك هذا المثل‬
‫بين الناس ‪ ،‬فيعلم الناس علم اليقين أن هذا المنهج حق ال مراء فيه؛ ألنهم‬
‫يرونه يتجسد في هذه القدوة الطيبة والمثل األعلى ‪ ،‬في محمد بن عبد هللا ‪‬‬
‫‪.‬‬
‫وقد زكى هللا هذه القدوة تزكية مطلقة زكاه في عقله ‪ ،‬وفي علمه ‪ ،‬وفي‬
‫صدقه ‪ ،‬وفي فؤاده ‪ ،‬وفي قلبه ‪ ،‬وفي صدره ‪ ،‬وفي حلمه ‪ ،‬وفي كل شيء؛‬
‫لتكون هذه القدوة وليكون هذا المثل مستم ار على مدار األزمان واأليام؛ ألن‬
‫اإلسالم وهو يق ِّدم هذه القدوة ال يقدمها لإلعجاب ‪ ،‬وال لنتغنى بقدوته وأخالقه‬
‫وصدقه‪ ،‬ثم يتوقف حالنا عند هذا الحد‪ ،‬كال! واننا نرى كثي ار من أبناء األمة‬
‫ا ن يتغنون بأخالق الحبيب المصطفى‪ ،‬بل ويعلنون على مدى األزمان‬
‫واأليام أن قدوتهم الطيبة ومثلهم األعلى هو رسول هللا ‪ ، ‬في الوقت الذي‬
‫ال نرى فيه اتباع ا عملي ا لهذه القدوة الطيبة‪ ،‬ولهذا المثل األعلى‪.‬‬
‫فالرسول ‪ ‬كان آية من آيات هللا‪ ،‬وعجيبة من عجائب الكون‪ ،‬ومعجزة‬
‫من معجزاته‪ ،‬جمع هللا في شخصه شخصيات كثيرة؛ فهو رسول من عند هللا‬
‫‪23‬‬
‫‪ ،‬يتلقى الوحي من السماء؛ ليربط األرض بالسماء بأعظم رباط وأشرف صلة‪.‬‬
‫وهو رجل سياسة من الطراز األول ‪ ،‬يقيم دولة من فتات متناثر ‪ ،‬فإذا‬
‫هي بناء ال يطاوله على اإلطالق بناء‪.‬‬
‫تم بعون هللا وتوفيقه ‪ ,‬وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪24‬‬
Fly UP